<br />الأمسيات الجميلة، والليالي الحلوة في رمضان، تمر سريعاً، لا أحد يقدر على الإمساك بها، ويبقيها متقدة في ذاكرته طوال الوقت، غيرتلك الأماكن الرائعة، التي يفطر فيها الصائم، وبماذا أفطر ومع من أفطر.<br />هذا المساء العزيز في حضرة رمضان، بزهرة المدائن، ولؤلؤة الشرق،وحاضرة المملكة وعاصمتها الفريدة الرياض، كان مختلفاً، فغالباً - حينما تتم دعوة أحدهم للإفطار، فالمكان المحتمل للقاء يكون بيتاً أواستراحة أو مطعماً، لكن المكان الذي دعيت له، كان غير هذه الأمكنة التقليدية المعروفة.<br />كان الجو منعشاً هذا المساء، فالهواء لطيف، والطقس في بداية شهرمارس، يكون عادة أما بارداً أو ممطراً أو يأتي ببعض الهبوب، لكنهعلى العكس، كان دافئاً، وأجمل من برد الشتاء ودون حر الصيف.<br />رأيت بعض أهل الرياض يخرجون من بيوتهم، ويركبون سياراتهم، لاستنشاق الهواء اللطيف، فاليوم إجازة وأول جمعة برمضان، والشهرفي أوله، فما المانع من الإفطار، خارج البيت إذ كان الطقس رائعاً.<br />لعل بعضهم فكر في الذهاب للبَرّ والبَرِّيَّة، وتلك فكرة جيدة، لكن الدعوةالتي تلقيتها للإفطار، لم تكن خارج الرياض أبداً، بل كانت داخلها، في بقعة جميلة خضراء، تحت الجسر المعلق، أسمها وادي حنيفة، لا شك أن أكثركم يعرفه أو قد سبق لبعضكم زيارته، لكن وادي حنيفة الذي أحدثكم عنه اليوم، يبدو مختلفا عما زرته في الصيف الماضي، فاليوم آتيه في طقس جميل، مع زمرة من الأصدقاء الكرام، فما بالكم لو كان معي أهلي، أو صحبتم أنتم عائلاتكم معكم، لا بد أن الزيارة سيكون لها طعم مختلف.<br />فلقد زرت وادي حنيفة مرة، الصيف الماضي بعد منتصف الليل، إذكا ن الجو قد بدأ يبرد قليلاً، في ذلك الوقت من السَحَر، إلا أن هذه الأمسية الشتوية الفاخرة، بدت لي أكثر رحابة وهدوءً وسكينة، عن تلك المرة، وفرشنا السجادة الوثيرة تحت الجسر الكبير الذي تغوص قواعده في عمق الوادي، قرب بِركة الماء، وكانت السماء فوقنا تبدو صافية، وقمر رمضان يتَهلَّل في سماء الرياض بجلاء وسطوع، واضواء المصابيح البعيدة تتوهج هذه الليلة بفرح أكثر، وأضواء النجوم تنعكس على صفحة الماء، وتغمر الوادي بوميض أشعتها الناعم، كأنما تغسل وُجُوهها الوَضَاءَة علي بِركة الماء باستحياء.<br />ثم تمشينا على ممر أشجار النخل، بوادي حنيفة، القريب من قلب الرياض النابض، لعمري أنه مكان شاعري، يفيض جمالاً وسحراً، وهذا الممر الطويل الذي تصطف أشجار النخل على جوانبه كحراس للجمال، لاستقبال الزوار، يبدو مثل غابة مليئة بالأسرار الكنوز.<br />فوادي حنيفة أزوره في رمضان، وفي مساء شتوي دافئ، ولا بد أن ذلك جلب لنفسي بهجة أكثر، الأمر لا يشبه أبداً رحلة تخييم فحسب، فالمكان زاخر بالحياة، وقريب من قلب المدينة النابض، والإطلالة والتخييم والتمشي في هذا الجو الرائق الهادئ، أمر مختلف عما تظنون يا سادتي.<br />سألتني أين تذهب هذا المساء، سأجيبك الآن، يجب عليك أولاً أن تعرف أين تلك الأماكن الخفية، وأي الأوقات أفضل لزيارتها، فبعض الورد لا يزهر إلا شتاءً، وبعض الأشجار لا تعطي ثمارها إلا صيفاً، وبعضا الأمكنة لا تفصح عن جمالها، ومكنونات أسرارها إلا في أوقات محددة، فقط تمهل ولا تعجل فسترى ما يرى الناظرون.<br />لطالما كانت بالرياض كنوز خفية، وأسرار مطوية، ومساحات واسعة تنبض بالحياة، وأماكن هادئة تضج بالإشراق، ومعالم آسرة يتفجر منها الجمال، ومساءات فاخرة تزدان بالحاضرين، وفعاليات مشوقة ومثيرة للاهتمام، واحتفالات متنوعة لا حصر لها، ذلك ما يعكس شخصية المدينة، ويجعلها حية ومتألقة، وهذا قد لا يعرفه الكثيرون.