<br />رمضان، بالنسبة للبعض، هو شهر الروحانية والتأمل، وبالنسبة للأمهات، هو اختبار آخر للصبر والتوازن.<br />لكن حين تكون الأم عاملة، يتحول الشهر الفضيل إلى ماراثون يومي لا ينتهي، حيث تتقاطع المسؤوليات المهنية مع الأعباء العائلية، فتجد نفسها تحاول موازنة العمل، العناية بالأسرة، وإيجاد وقت للراحة والعبادة، في جدول يكاد لا يسمح لها بالتنفس.<br />يبدأ يومها قبل الجميع، لا لتستعد ليوم هادئ، بل لتجهيزات تضمن تحقيق التوازن بين الأسرة والعمل. وعندما تكون مرهقة ومستنزفة لا أحد يلاحظ التعب الذي تحمله في عينيها، فالمطلوب منها أن تؤدي واجباتها بغض النظر عن التزاماتها المتعددة صحتها العضوية والنفسية، وحين تنتهي ساعات العمل، لا تنتهي معها المهام، بل تبدأ مرحلة أخرى من الالتزامات المنزلية والمجتمعية، وكأن يومها يعمل وفق ساعتين متداخلتين، إحداهما لا تتوقف والأخرى تسرق منها لحظات الراحة التي تحتاجها.<br />في زحام هذه التفاصيل، تكاد تنسى نفسها. تصبح الصلاة مستعجلة، والوقت الذي كانت تحلم أن تستغله في لحظة هدوء أو قراءة، يتحول إلى دقائق متقطعة بين مكالمات العمل والتأكد من أن كل شيء يسير كما يجب. حتى العشر الأواخر، التي ينتظرها الكثيرون للانعزال قليلاً عن العالم، تمر عليها كغيرها من الأيام، بلا تغيير، بلا وقت إضافي للراحة أو التأمل.<br />في مجتمعنا، اعتادت الأم أن تكون الركيزة التي يعتمد عليها الجميع، لكنها نادرًا ما تجد من يعينها أو يخفف عنها. وحين تكون عاملة، تتضاعف هذه التحديات، فبين ضغوط العمل والتوقعات المجتمعية، تُدفع إلى أقصى حدود طاقتها دون أن يُتاح لها خيار التوقف. كل ذلك لأنها تعلمت أن التضحية جزء من هويتها، وأن التقدير غالبًا لا يأتي إلا بعد سنوات من العطاء الصامت.<br />ولكن، ماذا لو تغير هذا الواقع؟ ماذا لو بدأنا بالنظر إلى الأمهات ليس فقط كرمز للعطاء، بل كأفراد يحتاجون للدعم مثل أي شخص آخر؟ ماذا لو كانت العشر الأواخر، التي نبحث فيها عن التقرب إلى الله، فرصة أيضًا للتقرب إلى أمهاتنا، لمساعدتهن، لمنحهن لحظة هدوء يستحقنها؟<br />ليس المطلوب أن يُرفع عن الأم كل شيء، فهي تعرف أن مسؤولياتها لن تنتهي، لكنها تحتاج إلى أن تشعر أنها ليست وحدها في هذه الرحلة. أن تجد من يسألها إن كانت بخير، من يتطوع لأخذ بعض المهام عنها، من يمنحها لحظة لا يطلب فيها أحد شيئًا منها، بل فقط يسمح لها بأن تكون.. هي.<br />وربما هذا هو الدرس الأهم في رمضان: ليس فقط أن نتحمل الجوع والعطش، بل أن ننظر إلى من حولنا، إلى أولئك الذين اعتدنا أن يعتمدوا علينا، ونمنحهم جزءًا من الرعاية التي يستحقونها. فالأم، العاملة أو غير العاملة، لا تحتاج فقط إلى كلمات تقدير، بل إلى أن نشعر بها، أن نفهم أنها «ليست آلة تعمل بلا توقف، بل إنسانة لها احتياجاتها، لها أحلامها، ولها الحق في الراحة».<br />@DrLalibrahim