<br />في عالم يبدو أنه تجاوز زمن الحروب التقليدية، تعود قوى العالم الكبرى لتتنافس مجدداً، ولكن هذه المرة فوق الغيوم وبسرعات تفوق الخيال، نحن أمام سباق تسلح جديد لا يشبه ما سبق، حيث لم يعد التفوق العسكري يُقاس بعدد الجنود أو الدبابات، بل بسرعة الصوت وتعدد الرؤوس النووية وقدرة الصاروخ على التملص من أنظمة الدفاع وكأنه شبح..!<br />تتسابق الدول العظمى على امتلاك أدوات الردع الأكثر رعباً وفتكاً، في محاولة لإعادة رسم خريطة الهيمنة الدولية، والنتيجة: صواريخ عابرة للقارات، فرط صوتية، مدمّرة، لا ترحم ولا تُرى.<br />الصين، التي كانت تُحسب كلاعب صاعد، دخلت حلبة الرعب بصاروخها «DF-17» الذي لا يكتفي بقدرته التدميرية، بل يتموضع استراتيجياً كحامٍ لمصالح بكين في المحيطين الهندي والهادئ بسرعته التي تفوق تعادل خمس مرات سرعة الصوت، وقدرته على المناورة أثناء الطيران، تجعله خصماً مراوغاً يصعب تتبعه، وتُعيد صياغة قواعد الاشتباك في هذه المساحات الجغرافية الحساسة.<br />أما روسيا، فتسير في اتجاه أبعد وأكثر جموحاً وجنوناً، فصاروخها «RS-28» سارمات ليس مجرد صاروخ، بل هو آلة يوم القيامة. قادر على حمل 15 رأساً نووياً، ويجتاز 11,000 كيلومتر بلا تردد، مستخدماً وسائل تمويه وتغيير مسار تصيب الأنظمة الدفاعية بالعمى المؤقت والعجز الكلي.<br />ولا تتوقف المفاجآت الروسية هنا، فهناك أفانغارد، الصاروخ الذي يتجاوز 20 مرة لسرعة الصوت، يتلوى في السماء كأفعى نووية لا تُمسك، قادر على اختراق أي منظومة دفاعية، وكأن موسكو تقول للعالم: لا شيء يمكنه أن يوقفنا، في الجانب الآخر من آسيا، تشهر كوريا الشمالية سلاحها المفضل: «هواسونغ-17»، الصاروخ الذي يتجاوز 15,000 كيلومتر في المدى ويحمل أكثر من رأس نووي. لكن الخطر الحقيقي يكمن في مساره المعقد، الذي يجعل اعتراضه لعبة شبه مستحيلة. إنه تهديد صامت يطير لمسافات شاسعة، ويذكّر العالم بأن بيونغ يانغ لا تزال تلعب أوراقها القاتلة.<br />الولايات المتحدة، كعادتها، لا تقبل الخروج من المعادلة، فجاءت بصاروخها «AGM-183A ARRW»، الذي لا يُطلق من قاعدة أرضية، بل من الجو، ويصل إلى سرعة تزيد على 20 مرة لسرعة الصوت، إنه صاروخ فرط صوتي يستعرض عضلات واشنطن التقنية والهجومية، في سياق سباق لا يحتمل التباطؤ أو التراجع.<br />لكن هذا السباق المحموم لا يمرّ دون تبعات. فهذه الأسلحة الجديدة لا تكتفي بتعزيز الردع، بل تُغيّر قواعد الحرب ذاتها. أنظمة الدفاع الجوي، التي طالما مثلت صمام الأمان، تبدو اليوم عاجزة أمام هذه الصواريخ التي تمزق الأفق بسرعة تتجاوز الإدراك البشري. لم تعد الحروب تبدأ بجيوش تزحف، بل بصواريخ تندفع كالشهاب، تسبق الإنذار وتتجاوز الرادارات. إنه عصر جديد من الردع، لكنه أيضاً عصر جديد من الرعب.<br />وما هو أكثر خطورة أن هذا السباق لا يهدأ، بل يغذي نفسه بنفسه. كل دولة تطور سلاحاً، فتُجبر الأخرى على الرد عليه بسلاح أشد فتكاً..!<br />وهكذا تستمر الدوامة، حتى يصبح الاحتكام إلى هذه الأسلحة احتمالاً قائماً ، لا مجرد نظرية ردع. كل صاروخ يُطوّر، وكل تجربة تُجرى، تزيد من احتمالية الانفجار الكبير الذي لا يُبقي ولا يذر.<br />لذا، يبدو أن العالم يتجه إلى مرحلة يُعاد فيها تعريف مفهوم الأمن، ليس من خلال التفاهمات الدولية، بل من خلال سرعة الصواريخ وذكائها الاصطناعي ومساراتها المتعرجة. إنها خريطة جديدة للرعب، تُرسم فوق الأرض وتُفرض من السماء.<br />@malarab1