<br />الإنبهار بالجديد سمة من سمات البشر، وقد قيل: لكلّ جديد لذة.<br />ودخول الراديو إلى شبه جزيرة العرب كان أحد الإختراقات التي جعلت الناس يعلمون ما يجري يالعالم حولهم.<br />في فترة زمن الندرة عندنا كان الراديو نوعا من الترف المنزلي الذي لا يقتنيه إلا من كان في سعة من عيشه. ويذكر الناس أحد الأفاضل في مدينة عنيزة كان يفتح مجلسه ليليا بعيد صلاة العشاء لأهل الحارة ليشربوا الشاي والقهوة و»يستمعوا» إلى الراديو!<br />يحدث أن يأتي بعض الصغار ويجلسوا في الممر «السيب» أو «السويق». ووجودهم وكثرة حكيهم لا يُناسب جوّ الكبار الذين أتوا خصيصا لسماع أخبار لندن أثناء الحرب العالمية الثانية.<br />احتار صاحب المنزل في تلك المعضلة، حيث لم ينفع بهم النصح بالسكون أو الابتعاد، ولم يعد أمامه إلا استعمال «القمع» الناعم، فبدأ يخرج من المنزل من باب آخر ثم يدخل الدهليز وينزع غُتَر الصبية ويحتفظ بها لليوم التالي حيث يأتي والده أو والدته ليشفعوا أو يتعهدوا بزجر أولادهم ونهيهم عن العودة.<br />ربما كان سبب اختيار الأولاد لدهليز ذلك الكريم هو الدفء في فصل الشتاء، أو الأمل بالحصول على فنجال من الشاي. تلك التدابير آتت أكلها واضطر الأولاد للبحث عن محل آخر يقضون فيه سهرة لعِبهم ومرحهم.<br />الموضوع ليس موضوع الراديو والأولاد وعبثهم بقدر ما هو الغترة قديما. فقد كانت الوسم الرجولي لليافع، وإذا انتزعت وليس لديه البديل – وهذا هو الغالب في ذلك الزمن – فالولد يضطر أن يخرج للسوق أصلع، وهو تعبير يطلق على اختفاء لباس رأسه.<br />نزع الغترة كان أيضا عرفا مُشاعا عند أهل الحارات يُنفّذ على من تكرر تخلّفه عن صلاة الفجر في المسجد. فإذا دخل السوق في اليوم التالي لتخلفه يواجه من ينزع غترته ويتركه يسير في السوق بدونها «تشهير في لغة العصر».عندي أن تلك الإجراءات العقابية توازي إيقاف الخدمات في عهدنا الحالي، والمنع من السفر والربط الإلكتروني بين العدل والداخلية مكن قضاة التنفيذ من إتمام العمليات على المحكوم عليهم إلكترونيا وفق منظومة رقمية بمدخلات واضحة ومسار إلكتروني متطور.<br />ونظرة إلى مسألة المنع من السفر فقد دقّت شعور وضلوع ربعنا، لأن السفر بالنسبة لصاحب حاجة، وأيضا لمن ليس له حاجة! مسألة تكاد تصبح حاسة سادسة !<br />عقاب زمان كان يُطلب من المخلّ والمُفسد إذا كبرت جريمته مغادرة البلدة «يجَلّى» والعكس الآن.<br />@A_Althukair