<br />تُعد «البروباغندا» -Propaganda- واحدة من أكثر الكلمات المثيرة للجدل في اللغة السياسية والإعلامية، حيث تحمل دلالات تتراوح بين التوجيه والتلاعب والتأثير الجماهيري. نشأت الكلمة في سياق ديني، لكنها تحولت عبر الزمن إلى أداة سياسية وإعلامية قوية تُستخدم لأغراض مختلفة، من نشر الأيديولوجيات إلى التحكم في الرأي العام. تعود أصول كلمة «بروباغندا» إلى اللاتينية، حيث اشتُقت من الفعل «propagare»، والذي يعني “النشر” أو «التوسيع». أول ظهور رسمي للكلمة كان في القرن السابع عشر عندما أسس البابا غريغوري الخامس عشر عام 1622 «مجمع نشر الإيمان» -Congregatio de Propaganda Fide - في الفاتيكان، وهو هيئة كنسية هدفها نشر الكاثوليكية في المناطق غير المسيحية ومواجهة تأثير البروتستانتية المتنامي. في هذا السياق، لم تكن البروباغندا تحمل أي دلالات سلبية، بل كانت تعبر عن نشر الإيمان وتعاليم الكنيسة.<br />ومع مرور الوقت، بدأت الكلمة تأخذ طابعًا سياسيًا، خاصة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومع انتشار الثورات والحروب العالمية، استخدمت الحكومات والجماعات السياسية وسائل الإعلام لنشر رسائلها وتوجيه الجماهير. شهدت الحرب العالمية الأولى أول استخدام واسع للبروباغندا كأداة سياسية على مستوى عالمي، حيث استخدمت الحكومات الملصقات والإذاعات والخطب الحماسية لتجنيد الشباب وإقناع الشعوب بدعم المجهود الحربي. أما خلال الحرب العالمية الثانية، فقد أصبحت البروباغندا أكثر تعقيدًا وفعالية، واستخدمتها الأنظمة الشمولية، مثل النازية والفاشية، بشكل مكثف للتأثير على الرأي العام وغرس الأيديولوجيات، كما استخدمها الحلفاء أيضًا لتشويه صورة العدو وتحفيز الجنود.<br />ومع ظهور التلفزيون والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت البروباغندا أكثر انتشارًا وتأثيرًا، لكنها لم تعد تقتصر على الحكومات، بل أصبحت تُستخدم من قبل الشركات، والجماعات السياسية، والحركات الاجتماعية. في الإعلام والسياسة، تستخدم الحكومات والمؤسسات الإعلامية أدوات البروباغندا الناعمة، مثل الأخبار والتقارير والتحليلات، للتأثير على الجمهور وتوجيه النقاشات العامة.<br />أما في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت البروباغندا أكثر تعقيدًا من خلال حملات التضليل والأخبار الكاذبة والتلاعب بالرأي العام عبر المنصات الرقمية. ورغم السمعة السلبية التي اكتسبتها الكلمة، إلا أن البروباغندا ليست بالضرورة سلبية دائمًا، إذ يمكن استخدامها لنشر رسائل إيجابية، مثل حملات التوعية الصحية أو التثقيف البيئي. ومع ذلك، فإنها تصبح خطيرة عندما تُستخدم لخداع الجماهير أو التلاعب بالحقيقة.<br />شهدت كلمة «بروباغندا» تحولات كبيرة عبر التاريخ، من أداة دينية إلى سلاح سياسي وإعلامي قوي، ومع تطور وسائل الاتصال، أصبحت أكثر تأثيرًا وانتشارًا. يظل التحدي الأكبر هو التمييز بين المعلومات الصحيحة والبروباغندا المضللة، خاصة في عصر الإنترنت حيث تنتشر المعلومات بسرعة غير مسبوقة.<br />@A_SINKY<br /><br />