<br />القدوة مطلب فطري، وأسلوب تربوي، ومن أعظم المؤثرات في صياغة وتشكيل السلوك الإنساني. ولذا، حرص الإسلام على استثمارها والرفع من شأن القدوات الصالحة من ذوي الديانة والعلم والمعرفة وصالح الأخلاق ليهتدي الناس بهديهم، ويسيرون بسيرتهم لتحقيق النجاة والفلاح في دنياهم وآخرتهم. وعلى الرغم من خطورة شأن القدوة وعظم أثرها، وأنه لا يصح أن يوضع في مقامها إلا من كان أهلاً لها وقائماً بحقها، وفي ظل الثورة التقنية التي يشهدها العالم وانتشار تطبيقاتها المتنوعة والمتعددة، أصبحت الشهرة سلاحاً بيد الجميع بمختلف فئاتهم العمرية ومستوياتهم التعليمية، وأضحى الوصول للنجومية التي لا تخلو من الاسفاف والابتذال والتفاخر والخيلاء وخدش القيم الدينية والمجتمعية، ومصادمة العادات والتقاليد طريقاً ممهداً بالحشود والأتباع، ومنهجاً يحظى بمباركة كبار السن قبل صغاره. وفي ظل هذا الزحف والإعصار الرقمي تم إعادة تشكيل مفاهيم القدوات وأُطّرت بأسلوب مضاد للعقل والمنطق، ومجافي للصواب والفطر السليمة، حيث أنتج ذلك الزحف الاليكتروني قدوات زائفة المبادئ تعمد إلى صياغة محتوى سخيف مفاده نشر الخصوصيات الأسرية، والتبضع بالعلاقات العائلية بيعاً وشراءً سعياً وراء ما يطلبه المستمعون والمشاهدون لتحقيق مشاهدات مليونية، دون اعتبار لذائقة الأفراد والمجتمع.<br />وعند التأمل نلحظ أن المجتمع أسهم بدور بارز ومهم في صناعة تلك القدوات الزائفة بإبرازها ومتابعتهم، وخصوصاً عندما تكشف القدوات أدق تفاصيل حياتهم العائلية والأسرية بأسلوب مستهجن ليشرعوا الأبواب للجميع ليشاهدوا تلك اللحظات مع علمهم بأن تلك التفاصيل لا تقع ضمن اهتمام الآخرين ولا تمثل قيمة نوعية لديهم، وخصوصاً أن أولئك اللاهثون وراء سراب الشهرة وزيف البريق الإليكتروني يحملون بين جنباتهم من العقد النفسية والمشاكل الاجتماعية، والتجارب الحياتية الفاشلة، والانكسارات الأخلاقية التي يحاولون إخفاء آثارها بابتساماتهم الصفراء الباردة، وتعويض تلك الإخفاقات والشروخ الاجتماعية في حياتهم بالحصول على النشوة العابرة وتذوق اللذة المؤقتة.<br />ولا شك أن ذلك يشكل خطراً على المنظومة المجتمعية بدينها وقيمها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها، وخصوصاً الناشئة باعتبارهم لبنات المجتمع ومستقبله وعليهم تُعقد الآمال في بناء الوطن وتحقيق تطلعاته وطموحاته.<br />من هنا يبرز دور الأسرة في استشعار هذا الخطر وتجمل المسؤولية المناطة بها في تصحيح مفاهيم الناشئة تجاه القدوات وضوابطها، وإبراز النماذج والقدوات الإيجابية لهم في شتى المجالات الشرعية والعلمية والعملية، والتوعية المستمرة وتصحيح المفاهيم المغلوطة المشاهدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومناقشتها بلغة حوارية منطقية راقية تناقش الأفكار لا الأشخاص، والأفعال لا القائمين بها؛ وعندئذ تختفي تلك القدوات الزائفة إلى غير رجعة، ويبقى المجتمع معتزاً بدينه وثقافته وقيمه وأخلاقه.<br />جامعة الملك خالد<br />@mesfer753<br />