أمي واختصار العلم
Faika.Mazraani
Sat, 03/22/2025 - 14:29
كانت أمي، رحمها الله، تؤمنُ بأن ما قلَّ من العلمِ ودلَّ خيرٌ مما كثر وظلَّ، وكانت تؤمنُ أيضاً بأن قليلاً من العلمِ مع التطبيقِ خيرٌ من العلمِ الكثيرِ مع التشتيتِ.
لقد كانت أمي لولوة العجلان، رحمها الله، تؤمنُ بمقولةِ سيدنا علي بن أبي طالب حين قال: «العلمُ نقطةٌ كثرها الجاهلون».
كانت أمي، رحمها الله، تحفظُ بعضَ الآياتِ، وحزمةً من الأحاديثِ، وكومةً من أبياتِ الشعرِ، والمقولاتِ الخالدةِ، وهذه الأدواتُ المعرفيَّةُ البسيطةُ نفعتها كثيراً حيث طبَّقتها على أرضِ الواقعِ، فنقلت والدتي من الحيرةِ إلى الأمانِ، ومن التشتُّتِ إلى الاستقرارِ، ومن الفوضى إلى السلامِ.
كانت أمي إذا تذاكرنا النعمةَ، قالت: «والله يحبُّ الشاكرين». وإذا تذاكرنا المصائبَ، قالت: «إن الله مع الصابرين». وإذا تحدَّثنا عن الإحسانِ، قالت: «والله يحبُّ المحسنين». وإذا تحدَّثنا عن الأعمالِ الصالحةِ، قالت: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا». وإذا جاءت سيرةُ الغيبةِ واللغوِ والنميمةِ، قالت: «لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ». وإذا جاءت سيرةُ الاستعدادِ للعملِ، أو المذاكرةِ للاختباراتِ، قالت: «وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةً».
كانت والدتي تستثمرُ القرآن، وتجعلُ معانيه تتسلَّلُ إليها لتمنحَها الطاقةَ، والحيويَّةَ، والنشاطَ حتى تواصلَ حياتها متحفِّزةٍ بآياتٍ من الذكرِ الحكيم. أمَّا الأحاديثُ، فلم تكن أمي تحفظُ صحيحَ البخاري كاملاً، لكنْ كانت تحفظُ ما تحتاجُ إليه، فهي تردِّدُ دائماً أحاديثَ بسيطةً، لكنَّها ذات معانٍ كبيرةٍ، مثلاً تقولُ: «قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ«. أو تقولُ: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ». أو تقولُ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ، تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ«. أو تقولُ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ«. أو تقولُ: «فليقل خيرًا أو ليَصْمُت». أو تقولُ: «خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ».
وإذا أتينا للفرجِ، فهي دائماً تردِّدُ: «ما بين طرفةِ عينٍ وانتباهتها يُغيِّر الله من حالٍ إلى حالٍ». وأيضاً: «يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرجٌ، أبشر بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ. اليأسُ يقطعُ أحياناً بصاحبهِ. لا تيأسنَّ فإنَّ الكافي اللهُ. اللهُ يُحدِثُ بعد العُسرِ ميسرةً. لا تجزعنَّ فإنَّ الصانع اللهُ. إذا بُليت فثق بالله، وارضَ بهِ، إنَّ الذي يكشفُ البلوى هو اللهُ».
وإذا أتينا للمقولاتِ، فهي تستشهدُ دائماً بمقولةِ عبدالله بن مبارك حين قال: «اصنعْ الخيرَ، وليقعَ حيث يقعُ، فإن وقعَ في أهله، فهم أهله، وإن وقعَ في غير أهله، فأنتَ أهله«. وكانت تُردِّد أيضاً مقولةَ عمر بن الخطاب: «العاجزُ مَن عجزَ عن سياسةِ نفسه».
وإذا أتينا للشعرِ، فأمي، رحمها الله، تحفظُ عشراتِ الأبياتِ التي تُفيدها في حياتها، وتُفيدنا أيضاً، وتُردِّدها علينا، فإذا جاءت سيرةُ القناعةِ، قالت: «هي القناعةُ فالزمها، تعش ملكاً«. وإذا جاءت سيرةُ المعروفِ، قالت: «اصنع جميلاً ولو في غير موضعه«. وإذا جاءت سيرةُ الموتِ، قالت: «ومَن لم يمُتْ بالسَّيفِ، ماتَ بغيرِه، ومَوتُ الفتىٰ بالسَّيفِ أعلىٰ وأفخرُ». وإذا جاءت صناعةُ المعروفِ، ردَّدت أبياتَ الشافعي: «لا تمنَعنَّ يد المعروفِ عن أحَدٍ ما دمت مقتَدِراً فالسعدُ تاراتُ، واشكر فضائِلَ صنع الله إذا جُعِلتْ إليك لَا لكَ عند النَّاسِ حاجاتُ».
في النهايةِ أقولُ: هذه خواطرُ بسيطةٌ، تسلَّلت إلى ذهني، وأنا أتأمَّلُ رمضان الذي ارتبطَ بأمي بشكلٍ قوي.. أتأمَّلُ رمضان، وفي إحدى لياليه، تذكَّرتُ بعض الوصايا التي كانت تقولها أمي، وكأنَّها حاضرةٌ بيننا، فكانت هذه الحصيلةُ، وفي المستقبلِ، سأكتبُ المزيدَ عن القواعدِ الأساسيَّةِ التي تعلَّمتها من أمي، وما زالت تنفعني في حياتي، وبإذن الله ستخدمني بعد مماتي.
الكاتب
أحمد العرفج
Publication Date
Sat, 03/22/2025 - 14:29
أحمد العرفج
مقالات