يوم 8 مارس، يَومُ نِضَالٍ واعتراف !

هالة بن يوسف

تحيي بلادنا كسائر بلدان العالم في كل 8 مارس ذكرى اليوم العالمي لحقوق المرأة.

تتعالى في مثل هذا اليوم من كلّ سنة اصوات المتبجّحين بما أدركته المرأة من مراتب متقدّمة في المجتمع الحيّ وما حقّقته من مكاسب كثيرة على كلّ الأصعدة والمستويات، وبقدر السرعة في صياغة الشعارات والقاء الخطب بقدر استعجال طيّ الصفحة والعودة للواقع المرير التي تعانيه المرأة في مختلف القطاعات وفي كلّ المجالات.

فبالنسبة للجالية النسائية في المهجر، هذا اليوم ليس سوى تذكير قاسٍ بالعنف الذي تتعرّضن له: عنف نفسي ومؤسّسي واجتماعي وسياسي. أن تكوني امرأة من الجالية المقيمة بالخارج يعني أن تعيشي نضالًا متواصلا من أجل الاعتراف والاحترام والمساواة في المعاملة.

هذا العنف ذو الابعاد المتعدّدة والممارس في أرض الوطن (الجذور) وفي بلد المهجر (المنفى) يُنظر إليه على أنّه عقوبة مزدوجة، فالمرأة المقيمة بالخارج إما اقتُلِعت أو نُفِيت من أرض ميلادها، وكبرت في دول لا تعتبرها مواطنة كاملة الحقوق، وعليها إثبات انتمائها باستمرار ودون هوادة. يظهر هذا العنف في السياسات التقييدية للهجرة كذلك، وفي التهميش الاقتصادي وفي التمييز المنهجي الذي يؤثر بشكل خاص على الأجيال الثانية والثالثة من المهاجرين.

في سنة 2022، اعتمدت تونس قانونًا انتخابيًا جديدًا تضمّن، من بين أحكام عدّة، استبعاد المرشحين حاملي الجنسية المزدوجة من الانتخابات التشريعية. وقد اعتُبِر هذا الإجراء، الذي انتقده عديد المراقبين، اعتداءً على مبادئ المساواة والتمثيليّة الديمقراطية، وهي المبادئ التي أكّدها دستور 2014 الذي كان يُنظر إليه حينها على أنه عادل ومتوازن.

في الوقت الذي اختارت فيه تونس استبعاد جزء من مواطنيها من التمثيل السياسي، فإن دولًا أخرى تبنّت نهجًا أكثر انفتاحا وادماجا. على سبيل المثال، وضعت غانا اطارا قانونيا خاصًا بأفراد جاليتها مما يسمح لهم بالحفاظ على جنسيتهم المزدوجة مع التمتع بنفس الحقوق المدنية التي يتمتع بها المواطنون المقيمون في البلاد. وهي سياسة تهدف إلى تعزيز الروابط بين افراد الجالية من جهة وبلدهم الأصلي من جهة اخرى، بالاضافة الى الاستفادة من خبراتهم واستثماراتهم. وعلى نفس الشاكلة، اعتمدت إثيوبيا سياسات لدمج مواطنيها المقيمين في الخارج بشكل أكبر، مما منحهم صوتًا في الاستحقاقات الوطنية.

ومع ذلك، فإن النساء التونسيات المنتميات للجالية المقيمة بالخارج يجدن أنفسهن مستبعدات مرتين، الاولى بسبب وضعهن كحاملات لجنسية مزدوجة والثانية بسبب جنسهن. وُلِدنَ ونَشَأنَ في بلدان تُرَوِّج للمساواة والديمقراطية، ولكنهنّ يكتشفن بمرارة أنهنّ في تونس، بلدهنّ الأصلي، لا يزلن غير معترف بهنّ كمواطنات كاملات الحقوق.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التزامهنّ لا شكّ ولا جدال فيه. فهنّ كثيرات ممّن يستثمرن ويساهمن في إشعاع الثقافة والاقتصاد والدبلوماسية التونسية. وهنّ سفيرات تونس في الخارج، ناشطات في شبكات مهنية وجمعياتية، لكن دون اعتراف مؤسسي.

في هذا السياق، يبقى السؤال قائما: هل ستختار تونس تبني مبادئ المساواة والتكافؤ في الفرص، أم ستواصل تهميش جزء من سكانها، الذين هم في الواقع جزء أساسي من مستقبلها؟

لم تنته المرأة التونسية أبدًا عن كسر الحواجز في بلد يدّعي أنه نموذج لتحرير المرأة، في حين ان الواقع أكثر تعقيدًا: ففي تونس، كما في أماكن أخرى، يجب على النساء الكفاح باستمرار من أجل حقوقهن. أما النساء في الجالية، فهنّ في صراع بين الديناميكيات الجديدة للنسوية المتجددة والأوضاع الخاصة بالمرأة التونسية، التي تجد نفسها بين التقاليد والحداثة، بين الالتزام والإقصاء.

في هذا السياق، فإن الميزانية المخصصة للقضاء على العنف ضد المرأة تعتبر مسألة حاسمة، لم تشهد ميزانية وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن أي تطور ملحوظ، ولا تزال ضعيفة جدًا. هذا الوضع يكشف غياب الإرادة السياسية لمنح النساء اليات الاستقلالية والأمان. فالمال قوام الاعمال وبدون تمويل مناسب ستظل القوانين والخطابات المؤيدة للمرأة مجرد وعود فارغة.

نطالب بالعدالة ونُوَجِّه نداءً إلى السلطة التشريعية لتصحيح هذه المظلمة وهذا الوضع المنخرم. يجب الاعتراف بالنساء التونسيات على قدم المساواة، بغض النظر عن مكان إقامتهن أو جنسيتهن، ويجب أن يحصلن على حق الولوج إلى مراكز صنع القرار السياسي. أصواتنا لها وزن. التزاماتنا لها قيمة. مساهماتنا في تونس لا غنى عنها.

نعم، نحن لنا الحق في تونسنا. تونس شاملة، لا تعتبر افراد جاليتها مجرد مصدر للعملات الأجنبية، بل ثروة بشرية وثقافية وفكرية. تونس حيث لا يتم تهميش النساء، سواء كنّ داخل البلاد أو خارجها. تونس التي تستحق فيها النساء المقيمات بالخارج المكانة التي هنّ جديرات بها.

يجب ألا يكون يوم 8 مارس مجرد احتفال. بل يجب أن يكون دعوة إلى العمل.