تراجع مخزون السدود التونسية إلى أدنى مستوياته:  في ضرورة الاستعداد للأسوإ

في خضم هيمنة الانتخابات الرئاسية على المشهد السياسي والمشهد العام في البلاد

مرت خلال الايام الفارطة المعطيات التي قدمها المرصد الوطني الفلاحي دون اثارة الانتباه رغم ما تحمله من تحذيرات تتعلق بتراجع نسبة امتلاء السدود التونسية إلى أقل من 600 مليون متر مكعب، وهو ادنى مستوى سجلته البلاد منذ سنوات.

وفق المعطيات اليومية المتعلقة بوضعية السدود في تونس ونسب امتلائها، يتضح من الأرقام التي يقدمها المرصد الوطني للفلاحة ان البلاد تواجه أزمة غير مسبوقة في تاريخها الحديث وان مستقبلها بات مرتهنا بموسم الأمطار القادم الذي يبدو أنه الامل الاخير.

المعطيات المنشورة أمس الاثنين 5 أوت 2024 تفيد بأن نسبة امتلاء السدود التونسية باتت في حدود 25.5 ٪ أي حوالي 598 مليون متر مكعب، وهو ادنى رقم يسجل في النشريات اليومية التي التي صدرت منذ 2016 وتقدم وضع السدود التونسية الـ35 يوما بيوم، وهي اقل بـ210 مليون متر مكعب عن المعدل المسجل في السنوات الثلاث السابقة لنفس اليوم.

لو نظرنا الى المؤشرات التي قدمت خلال السنوات الممتدة من 5 اوت 2016 الى غاية يوم امس، باستثناء 2019 التي سجلت موسم أمطار استثنائي أدى الى تعبئة 2500 مليون متر مكعب من المياه في السدود التونسية، نجد ان البلاد خلال السنوات التسع عانت من مواسم جفاف متتالية استنزفت سدودها ونتبين ذلك من معدل نسبة الامتلاء لثلاث سنوات حيث تراجع من 1298 مليون متر مكعب خلال 2016 الى 808 مليون متر مكعب خلال 2024.

هذا الانخفاض في نسب المعدلات العامة المتعلقة بالوضعية المائية في البلاد لا يمكن النظر اليه دون الاخذ بعين الاعتبار حجم السحوبات اليومية من السدود والتي قدرت يوم أمس بـ1.8 مليون متر مكعب من المياه التي سحبت من السدود ووجهت للتونسيين لاستعمالها. وهي تقريبا ذات الكمية التي تسحب بشكل يومي من السدود التونسية التي تواجه اليوم الخطر اذا لم تشهد موسم أمطار استثنائي.

استمرار عملية السحب اليومي للمياه بمعدل 1.8 مليون متر مكعب كحد أدنى، مع احتساب معدل التبخر ونسب الرواسب في السدود تجتمع كلها لترسم سيناريوهات حرجة قد تعمق من ازمة شح المياه في البلاد والتي تتجلى في تراجع السحب اليومي لمياه السدود من 3.1 مليون متر مكعب يوميا الى اقل 2 مليون خلال سنتين فقط.

ارقام تحذرنا اليوم من خطر العطش الذي يتهدد تونس، مما يتطلب من السلطات المشرفة على ملف المياه ان تتحرك لرسم خطط تحقق تجاوز الازمة. الخطر اليوم لا يتعلق فقط بالانعكاسات المرتقبة على تونس جراء التغيرات المناخية خلال السنوات القادمة بل كذلك بالوضع الذي عنوانه الأكبر تراجع موارد المياه في البلاد وتراجع مخزونها خلال 4 سنوات من الجفاف المتواصل. ويبدو أن تقليص آثارها لا يمكن ان يتم فقط بمحطات تحلية مياه البحر خاصة وأن هذه المحطات لا يمكنها أن توفر كميات مياه بحجم يواكب الاستهلاك اليومي، ذلك انها في أفضل حالاتها قد توفر 100 ألف متر مكعب يوميا أي أنها غير قادرة على تعويض مياه السدود، فهي تمثل 1/20 من حجم السحب اليومي.

إن الوضع اليوم يتطلب خطابا صريحا من السلطة يعرف التونسيين بواقعهم ويهيئهم للاقتصاد والتقشف في استهلاك المياه لا فقط ترشيد استعمالها، فنحن لسنا ازاء مخاطر ستقع بعد سنوات بل ان الخطر المحدق سيحصل خلال أشهر اذا لم تهطل الأمطار ولم تحصل تعبئة السدود بكميات تتجاوز 1000 مليون متر مكعب من المياه خلال الأشهر القادمة.

هذا الخطر لا يوفر حيزا من الزمن للاستفادة من الإصلاحات او الخطط المتبعة في علاقة بالمياه وبالمشاريع التي تشرف عليها وزارة الفلاحة ببناء خزانات او سدود جديدة او محطات تحلية مياه البحر. كل هذه المشاريع لن تثمر الا بعد سنوات بينما نواجه خطرا محتملا خلال اشهر قليلة