قد وجد صداه في مجلس نواب الشعب حيث اعلن امس رئيس لجنة التشريع العام ياسر القوراري عن وجود توجه صلب لجان البرلمان لمراجعة التشريعات القديمة وحدد ملامحها في ثلاثة عناوين كبرى هي استكمال البناء المؤسساتي والجانب الاجتماعي والملف الاقتصادي.
وكانت ابرز عناوين خطاب السلطة تغيير المدونة التشريعية التونسية لجعلها تستجيب للمسار السياسي الراهن وانتظارات الشعب كما اعتبر رئيس لجنة التشريع العام بانه من الضروري لانجاح المسار ان تكون الوظيفتان التشريعية والتنفيذية جناحا التغير التشريعي والسياسي في البلاد.
هذه الكلمات اشارت صراحة الى ان لجان مجلس نواب الشعب وضعت في قائمة جدول اعمالها تنقيحات تشريعية ضخمة تعهدت بانجازها في اسرع وقت وهذا الامر وفق ما اشار اليه مرتبط بالارادة الرئاسية والبرلمان دون سواهم.
هذا الاحتكار يستند الى نص الدستور الذي منح صلاحية سن القوانين للبرلمان وجعل من صلاحياته المبادرة بالقيام بها كذلك رئاسة الجمهورية.
في الدورتين السابقتين تجلى التوجه صلب مجلس نواب الشعب الى جعل النقاشات محصورة اساسا بينه وبين السلطة التنفيذية واذا حصل استثناء تتوسع قاعدة التشاور الى مؤسسات او أجهزة في الدولة دون اللجوء الى الأجسام الوسيطة التي يتجاهلها المسار السياسي لتعارضها مع بنيته السياسية والتنظيمية.
هذا الوضع قد يقود الى جعل النقاشات المتعلقة بالنصوص التشريعية مجالا تحتكره السلطات دون بقية مكونات المجتمع التونسي مهما كانت طبيعة هذه النصوص بما من شانه ان ينسف اية فرصة لفتح نقاش مجتمعي واسع وشامل يستبق هذه التعديلات مما قد يحول دون اثراء النقاش العام بهدف تجويد هذه النصوص المقترحة او التعبير عن تصور المجتمع وارادته عبر اجسامه الوسيطة القادرة على اثراء النقاش و نقل مصالح المواطنين والدفاع عنها.
فرضية نامل ان لا يقع فيها البرلمان وان لا يجد نفسه تحت عناوين عدة مدفوعا الى التسريع في مناقشة التعديلات المقترحة والاقتصار على اصوات بعينها دون البقية. الاقدام على هذه الخطوة، حتى وان كانت قانونية تندرج ضمن صلاحيات البرلمان، الا انها تمس من مبادئ هامة تنظم عيشنا المشترك.
ان احتكار السلطة، مهما كانت شرعيتها ومشروعيتها، للنقاش العام وخاصة الذي يفضى الى سن قوانين تعيد تشكيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية للتونسين وترسم الموانع القانونية لبعض الممارسات او الحقوق لا يمكن ان تكون بعيدة عن النقاش العام والمفتوح الذي يسمح بمساهمة المواطنين في صياغة القرارات التي تمس حياتهم اليومية وحرياتهم، كما ان هذا الامتياز الدستور الممنوح للوظيفيتين كما نص على ذلك دستور 2022 لا يمكن ان يطغى على سياق الأوضاع الاجتماعية والسياسية والتاريخية في تونس، والتي تحتاج إلى حوار مجتمعي شامل قبل الاقدام على اية تنقيحات حتى وان كانت النوايا المعلن عنها من قبل السلطتين ايجابية.
تنقيح القوانين بشكل احادي من قبل المؤسسات دون تفاعل مع السياق المجتمعي التونسي ودون اشراك اجزاء واسعة منه في النقاش سيفضى في النهاية الى مدونة قانونية مسقطة قد لا تعبر كليا او جزئيا عن تطلعات التونسيين وانتظاراتهم وهو ما قد يفضى الى توتر اجتماعي خاصة ان لم تتماش التعديلات مع احتياجات التونسيين الواقعية ومع ما تمت مراكمته تاريخيا من خطوات في اطار تحديث المدونة القانونية.
هذا التوجه الراهن من مجلس نواب الشعب الى اجراء ثورة تشريعية، وفق تعبيره، لا يمكنه ان ينجح دون مشاركة مجتمعية تساهم في تحديد الأولويات وتقديم المقترحات التي قد تضمن تحقيق التوازن بين مختلف فئات التونسين ومصالحهم وهو ما من شانه ان يمنع الانقسامات العميقة في المجتمع التي تظل قائمة تهدد تماسك المجتمع وتضامن افراده.
هذا يعزز اهمية ان يقترن توجه البرلمان في مرحلة اعادة صياغة التشريعات وتعديل القديم منها بحوار مجتمعي تشارك فيه الاحزاب والمنظمات والجمعيات والاعلام وكل الفاعلين السياسين والاجتماعيين والاقتصاديين لا ان يكون الامر مجرد قرار سياسي يستند اصحابه على حسن النوايا التي لا يمكن ان تضمن صياغة مشروع وطني يوحد التونسيين ويجمعهم