رئيس الحكومة في كلمته أمام البرلمان:  ما الذي ننتظره ؟

سيترقب الجميع اليوم كلمة رئيس الحكومة كمال المدوري للوقوف على التوجهات الاقتصادية والمالية للدولة التونسية خلال 2025

وهل انها ستحمل تصورا لبداية الخروج من ازمة النمو الهش الذي دخلت فيه البلاد منذ عقد ونصف بثنائية: تراجع نسب النمو والعجز عن بلوغ سقف النمو الممكن والبالغ في افضل التقديرات 3 ٪.

هذه التقديرات التي صدرت منذ منتصف 2023 وبداية 2024 عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول امكانيات النمو المتاحة للاقتصاد التونسي اصطدمت بتقديرات البنك المركزي التونسي التي كشفت عن تراجع متوسط النمو السنوي للفترة الممتدة من 2011 الى 2018 ليكون في حدود 1,1 ٪ كمعدل سنوي، اي ثلث سقف النمو تقريبا، وذلك قبل ان تشهد البلاد جائحة الكوفيد وما رافقها من انكماش اقتصادي بحصول نسبة نمو سالبة ب8 نقاط عمقت من ازمة الاقتصاد التونسي الذي لم يتمكن بعد من استعادة حجم الثروة المحقق في 2019 رغم مرور 4 سنوات، لذلك كان من بين الاقتصاديات القليلة التي لم تتخلص بعد من تاثير الوباء على الاقتصاديات المحلية والعالمية التي تجاوزت جلها التداعيات في حيز زمني لم يتجاوز سنة ونصف السنة وذلك نتيجة نمو ضعيف ظل دون سقف المعدل النسوي للعقد الفارط اي 1.1 ٪.

هذا ابرز تحد للاقتصاد التونسي وللحكومة الماسكة بمقاليده والتي ترسم سياساته العمومية، وذلك ما قد يكون حاضرا بشدة في ذهن جزء من المستمعين لبيان رئيس الحكومة بشان مشروع قانون مالية 2025 للوقوف على مدى استيعاب الحكومة لطبيعة الرهانات التي تواجهها البلاد وصعوبة الوضع الاقتصادي والرؤية للخروج من الازمة الهيكلية على المديين القريب والمتوسط كذلك البعيد.

الوضع الصعب للاقتصاد والمالية لا يجب ان يغفل عنه رئيس الحكومة، خاصة وانه يتجلى في جل مؤشرات الاقتصاد الكلي للبلاد وفي التقديرات والافاق المستقبلية للاقتصاد التونسي الذي يشهد تراجعا في متوسط سقف النمو المتوقع بنقطة ليكون في حدود 2 ٪ وفق تقديرات سنة 2024 بعد ان كان في حدود 3 ٪ قبلها.

هذه التقديرات التي استندت الى معطيات الاقتصاد التونسي الكلية التي ترسم صورة تعكس حجم الازمة الهيكلية التي ادت الى دوامة النمو الهش واستمرار تراجع انتاجية القطاعات الاقتصادية و ضعف القيمة المضافة، بما يبين ان آلة الانتاج التونسية اذا لم تتوفر لها كل شروط النجاح ستكون غير قادرة على تحقيق ما تحتاجه البلاد من نسب نمو تتجاوز 6 نقاط خلال عقد من الزمن، لضمان تعاف اقتصادي يؤدي الى تحسن حياة التونسيين.

اذا استطاع الاقتصاد التونسي ان يشغل كل محركاته لجعلها تبلغ طاقتها القصوى وتحقق كل الامكانيات المتاحة لها، ذلك لن يغير المشهد العام الذي تحدده ثلاثة مؤشرات نموذجية، وهي نسبة البطالة وحجم العجز في الميزانية وحجم العجز التجاري، كمؤشرات تسمح بقياس مدى نحاج البنية الاقتصادية في تحقيق شروط النمو والاستقرار والاستدامة، وذلك ما لا يتوفر اليوم ، للاسف، في الاقتصاد التونسي الذي يعاني من انتاجية منخفضة وقيمة مضافة ضعيفة نتيجة غياب عدة عناصر اساسية، منها تراجع كفاءة اليد العاملة وضعف مستوى التكنولوجيا المعتمدة في الاقتصاد الذي لازال يعتمد بشكل اساسي على قطاع الفلاحة والصناعات الاستخراجية والسياحة كرافعات اساسية للنمو في السنوات الفارطة، وذلك ما قد يرهن الاقتصاد بعوامل خارجية وطبيعية تجعله عرضة لهزات عنيفة كمواسم الجفاف او الازمات الدولية ونضوب الموارد يضاف الي ذلك ان الدولة التونسية لازالت الى حد اليوم اهم فاعل اقتصادي، واكبر مستثمر واكبر حريف، مما يجعل ازمات ماليتها العمومية تنعكس بشكل مضاعف على الاقتصاد بشكل مباشر وغير مباشر، بغياب الاستثمارات الكبرى القادرة على احداث صدمة استثمارية تقود لتعافي او تراجع استهلاكها او تعثر عمليات الخلاص اضافة الى عدم القدرة على معالجة اهتراء البنية التحتية واللوجستية.

هذا الارتهان الذي بات عليه الاقتصاد التونسي لم يكن وليد الصدفة بل كان نتيجة لسياسات عمومية لم تنجح الى غاية اليوم في تطوير بيئة الاستثمار التي تشجع على المبادرة الفردية والاستثمار والابتكار، نظرا لثقل الجهاز الاداري وتعقد الاجراءات والقوانين وضعف الشفافية التي يمكن اختزالها في مؤشر وحيد وهو المدة الزمية المستوجبة لبعث الشركات والتي تستغرق اشهر في تونس.

كل هذه العناصر تشرح اليوم واقع الاقتصاد التونسي وحجم الرهانات التي يواجهها ، والتي تجعله امام حتمية الاصلاحات الكبرى بهدف التخفيض من حجم الضغوط المالية التي يمكن تبينها بقراءة نسب العجز في الميزانية والتي تتنامي بشكل مضطرد مما يؤثر تباعا على حجم المديونية الداخلي والخارجي.

الاجابة عن هذه الاسئلة الصعبة وتقديم تصور لكيفية ادارة الازمة والخروج منها، ذلك ما ينتظر من بيان رئيس الحكومة اليوم في البرلمان