تسارع التطورات في الملف السوري:  أية تحديات يفرضها الوضع على تونس؟

يستمر التعقيد في الأزمة السورية بعد سقوط نظام الأسد وحزب البعث في البلاد وهيمنة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) على البلاد ميدانيًا وسياسيًا.

وقد انضاف عنصر جديد إلى المعادلة التي تتداخل فيها توازنات الداخل مع مصالح القوى الإقليمية والدولية، لنكون أمام كرة ثلج ستطال تداعياتها دول المنطقة ودول شمال إفريقيا ومنها تونس.

ربما كان العنصر المهيمن منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام بشار الأسد ملف المقاتلين التونسيين في سوريا سواء أكانوا ضمن المجموعات المسلحة أو في سجون النظام السوري، وهو ملف بات يُعرف في تونس بـ«ملف العائدين» الذي فرض على النقاش العام في البلاد، ليجعل الجميع يقدمون قراءاتهم وتخميناتهم.

هذا الملف يتعلق أساسًا بالتونسيين ممن حملوا السلاح في سوريا مع الجماعات التكفيرية التي قاتلت في سوريا منذ 2011 يحجب التداعيات المباشرة والتهديدات الجدية التي تواجهها تونس في علاقة بالملف السوري وتطوراته إثر انهيار النظام الذي فرض على البلاد تحديات جديدة تتجاوز المستوى الأمني.

ان النظر إلى الملف السوري من زاوية أمنية بحتة تختزل التداعيات المحتملة في ملف عودة التونسيين من سوريا خاصة بعد إطلاق سراح كافة المسجونين من السجون السورية، خطأ في التقييم والقراءة التي لا يجب أن يسقط منها جملة من المعطيات من ضمنها أن البلاد استقبلت خلال السنوات الفارطة قرابة 800 تونسي نشطوا في جماعات إرهابية في كل من سوريا والعراق، وأن المصالح الأمنية التونسية راكمت خلال السنوات القليلة الفارطة معطيات ومعلومات تسمح لها بتحديد هوية هؤلاء وعددهم مما يعني أنها قادرة نسبيًا على التعامل مع هذا الملف ومع أية فرضيات يطرحها ومنها العودة غير النظامية.

ولا تتعلق التداعيات الأمنية بمسألة عودة التونسيين فقط بل تتجاوزها لتشمل مسألة السلاح وتدفقاته. واذا عدنا إلى الدراسات الصادرة عن مراكز بحثية مثل مركز جنيف للسيطرة على الأسلحة الصغيرة (Small Arms Survey) تقدم هذه الدراسات خلاصات تقول بأن تفكك الأنظمة يؤدي إلى زيادة تدفق الأسلحة والجماعات المسلحة عبر الحدود مما يعني أن سقوط النظام السوري يشكل تهديدًا لتونس ولغيرها من الدول العربية التي تواجه تحديات أمنية وتعاني من تهريب الأسلحة عبر شبكات غير نظامية، مما قد يوفر فرصة للجماعات الإرهابية لتعزيز تسلحها من هذه التدفقات التي لا يمكن السيطرة عليها، وقد سبق لتونس أن عانت من مثلها عند انهيار نظام العقيد معمر القذافي الذي عقبه تدفق للسلاح من ليبيا إلى تونس وصل إلى أيادي الجماعات التكفيرية.

هذا الخطر يتطلب أن تنتبه إليه السلطة والأجهزة التونسية لأنه أشد وطأة من مسألة عودة تونسيين كانوا مشبعين بفكر متطرف وإرهابي ذلك ان معالجة ملفهم مسألة سياسية واجتماعية وقانونية وبدرجة أقل أمنية على عكس ملف السلاح وتدفقاته التي قد تمنح المجموعات الإرهابية في منطقة شمال إفريقيا زخمًا جديدًا، مما يفرض على تونس تعزيز تعاونها الأمني مع دول الجوار ومع الشركاء الدوليين لتبادل المعلومات الاستخباراتية وضبط الحدود لتجنب خطر مزدوج وهو عودة التونسيين من سوريا عبر مسالك غير نظامية وتدفق السلاح إلى التراب التونسي.

هذه التداعيات الأمنية قد تكون الشاغل الرئيسي للمتابع للشأن العام في تونس أو غيرها من دول المنطقة، ولكنها ليست الأكثر ثقلًا وحدة، ذلك أن إنهيار النظام السوري ووصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، حتى وإن كان ذلك مؤقتا، شكل محركًا ولّد تداعيات ديبلوماسية على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أساسًا.

ما شهدته سوريا إعادة ضبط للتوازنات الإقليمية والدولية، حقق فيها الحلف الغربي نقاطًا على حساب المحور الشرقي الذي يضم الصين وروسيا وإيران التي شكلت ما يعرف بمحور المقاومة، ويسعى هذا المحور الذي يضم عددًا من أعضاء دول البريكس الى تقليص تداعيات ما حدث في سوريا والذي قد يسرع وتيرة الاستقطاب ويغذي سياسة المحاور الدولية.

هنا قد تجد تونس نفسها أمام خيار إعادة تقييم علاقتها الديبلوماسية وترتيب أولوياتها وتحديد حلفائها بما يضمن لها تجنب المحاور أو الاصطفاف الإقليمي والدولي الذي قد تكون له انعكاسات شديدة عليها، إذ يبدو أن الانقسام العربي سيتعزز بين ما يعرف إعلاميًا بمحور التطبيع من جهة ومحور المقاومة من جهة أخرى وكيفية استفادة الدول العربية من مسألة إعادة إعمار سوريا وهوية الحلف أو المحور الذي سيكون المستفيد الأبرز.

هذا بالإضافة إلى إمكانية أن ينتقل التركيز خلال المرحلة القادمة إلى اليمن وليبيا بهدف الوصول إلى صياغة تحقق استقرارهما وانضمامهما إلى المحور الخليجي بما يعني أن تونس ستكون محل ضغوط ديبلوماسية وسياسية واقتصادية محتملة خلال المرحلة القادمة.

الثابت الذي طالنا تأثيره هي التداعيات الاقتصادية للأحداث السورية التي زادت التوتر في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعني مباشرة ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف الشحن والنقل البحري مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والبضائع عامة.

خلاصة الأمر أن سقوط النظام السوري يفرض على تونس إعادة صياغة استراتيجياتها الأمنية والدبلوماسية والسياسية في عالم سريع التغير.