العجز التجاري يتفاقم خلال سنة 2024:  18.9 مليار دينار نصفها مع الصين فقط

أصدر المعهد الوطني للإحصاء يوم أول أمس نشريته الشهرية

حول التجارة الخارجية والتي نجد فيها أهم المعطيات حول المبادلات التجارية لتونس على امتداد كامل سنة 2024.

أول ما نلاحظه هو تفاقم عجزنا التجاري الذي انتقل من 17.1 مليار دينار سنة 2023 ليبلغ 18.9 مليار سنة 2024 ولكن الأهم في رأينا هو استقرار شبه كلي لصادراتنا بالدينار الجاري (62.1 مليار دينار في 2023 كذلك في 2024) اي ما يعني أن القيمة الحقيقية لصادراتنا قد انخفضت بحوالي %7 وهي نسبة التضخم التي لا تحتسب في الأسعار الجارية.

وعندما نقول أن صادراتنا قد تراجعت بالأسعار القارة فذلك يعني أن انتاج السلع عندنا في الطاقة والمناجم والصناعات المعملية والمنتوجات الفلاحية قد تراجع بدوره، وهذه هي المسألة الجوهرية التي ينبغي أن ننتبه إليها وأن نجد الحلول الجذرية لمعالجتها ، لأن تراجع الانتاج يعني في النهاية زيادة الفقر والبطالة وتراجع القدرة التنافسية للمنتوج الوطني.

الغريب فعلا في النتائج التفصيلية لمختلف القطاعات في التصدير هو التراجع المذهل في الفسفاط ومشتقاته (%26.3) فنحن في 2024 مازلنا بعيدين جدّا عن مستوى الانتاج في 2010 في الفسفاط اذ لم نبلغ بعد حتى النصف منه ولولا التطور الهام للمنتوجات الفلاحية (%14.6+) بفضل زيت الزيتون أساسا لكانت النتيجة أسوأ ممّا حصل ..

واللافت أيضا أن استيرادنا للمواد الأولية ونصف المصنعة قد تراجع بنسبة %2.6 بالأسعار الجارية اي بأكثر من %9 بالأسعار القارة وهذه المواد تستعمل أساسا في الصناعات التحويلية وفي البناء بما يؤكد على التراجع في الانتاج عندنا ..

اما لو نظرنا على مستوى التوزيع الجغرافي للعجز التجاري لتونس سوف نجد أن الوضع على حاله على امتداد اكثر من عشرية إن لم يكن قد تفاقم شيئا ما اذ سجلنا مع الصين وحدها 9.1 مليار دينار و5.4 مع روسيا والجزائر 4.4 وتركيا 2.8 والهند 1.5 واوكرانيا 1.3 مليار دينار .

هذا لا يعني أن الأساسي من تجارتنا الخارجية يحصل مع هذه الدول فنحن نصدر أساسا الى دول الاتحاد الأوروبي (%69 من جملة الصادرات ) ونورد منها %43.4 من مجموع السلع كما لدينا مبادلات تجارية هامة مع ليبيا وبدرجة أقل مع المغرب.

يعود عجزنا التجاري الضخم مع الدول التي أشرنا اليها آنفا الى الاختلال الكبير للمبادلات التجارية بيننا وبينها فنسبة التغطية مع الصين مثلا هي دون %1 اذ صدرنا للصين خلال الأشهر العشر الأولى من السنة الفارطة بما قيمته 61 مليون دينار واستوردنا منها ما يناهز 7415 مليون دينار اي بنسبة تغطية %0.8. الإشكال ليس في قيمة ما نستورده من الصين ففيه مواد أولوية ونصف مصنعة وتجهيزات وآلات كهرومنزلية .. وهي بجودة عالية وبسعر مناسب ..

الإشكال في الضعف المفرط لتصديرنا الى الصين ذلك رغم الاجتماعات والوعود والاتفاقيات .

كشفت المبادلات التجارية لتونس على امتداد السنة الفارطة أننا لم نقدر على الرفع، ولو النسبي، من نسق انتاجنا وذلك لعدم تمكننا من الارتقاء ،ولو النسبي كذلك، في سلاسل القيمة حتى عندما نتوفر على انتاج ذي جودة لزيت الزيتون لم نتمكن منذ 40 سنة من رفع جدي لنسبة التعليب ومن تطوير صناعة مشتقات زيت الزيتون من مواد تجميلية وطبية وغيرها.

في كلمة واحدة كما في الف كلمة ما ينقصنا منذ عقود الى حد اليوم هو التخطيط المحكم المبني على استشراف حاجيات الاسواق العالمية وتطوراتها ثم الانجاز الجدي ذي النفس الطويل وهذا لا يتعلق بالإنتاج فقط بل كذلك بالتعليم والتكوين والصحة والنقل والبيئة وسائر المرافق العمومية .

الإشكال لا يكمن في التمويلات – على اهميتها - بل في السياسات المفتقرة الى الطموح وللنجاعة معا