اتفاق الشرع و «قسد»:  خطوة لتوحيد سوريا أم تسوية مؤقتة؟

يبدو أن تطورات المشهد السوري خلال الأسبوع الفارط فرضت على الشرع وحكومته التحرك لتقليص قائمة الخصوم والأعداء،

وهو ما انتهى بها إلى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ينهي حالة الصراع المكتوم بينهما ويقضي بانضواء قوات قسد تحت مظلة الجيش السوري، مقابل منح الأكراد حقوق المواطنة والمشاركة السياسية.

هذا الاتفاق ومنذ الإعلان عنه فرض على المشهد السوري، الذي يعيش على وقع تحول، تساؤلات حول دوافعه الحقيقية ومدى قابليته للصمود في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية، خاصة وأن الاتفاق جاء استجابة لحسابات سياسية وعسكرية فرضتها الظروف الراهنة في سوريا بعد أن سبق أن رفضه الشرع وحكومته في فترة سابقة.

اليوم تواجه الحكومة السورية تمردًا متعدد الطبقات، فتحرك جزء من الطائفة العلوية في اللاذقية وصدامها مع قوات الأمن النظامية كشف عن ضعف سيطرة قوات الأمن على المشهد وعلى نفسها، وسرعة عودة عناصرها إلى كونهم مقاتلين يشنون حربًا ضد خصم عقائدي وسياسي، وهو ما برز في الأيام الأخيرة التي عاشت فيها سوريا على وقع أحداث عنف طائفية.

أحداث في بعدها السياسي والأمني كشفت عن أبرز نقاط ضعف السلطات الجديدة، وهي هشاشة سلطتها التي قادت إلى أن تكون أجزاء واسعة من الأراضي السورية خارجة عن سيطرتها، بالإضافة إلى انفلات عناصرها الأمنية التي أحدثت شرخًا بين النظام الجديد وبين حاضنته، من السنة أو من مختلف الطوائف السورية التي باتت اليوم تعزز انتشارها في مناطقها بهدف ضمان أمنها.

وضع أمني مركب دفع بالشرع إلى أن يقبل بما اقترحته قوات سوريا الديمقراطية في السابق من شروط وضمانات، وذلك بهدف استعادة السيطرة، حتى وإن كانت شكلية، على ما يقارب ثلث البلاد، وذلك عبر استيعاب «قسد» بدل الدخول في مواجهة جديدة معها.

إكراهات النظام السوري لها ما يقابلها عند قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل أكراد سوريا سياسيًا وعسكريًا، فـقد وجدت «قسد» نفسها أمام واقع جديد، أبرز عناصره التراجع التدريجي للدعم الأمريكي، وذلك يضعفها ويهدد بأن تفقد مكاسبها وقدرتها على أن تؤمن استمرار نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما قادها اليوم، في ظل هشاشة الوضع في سوريا، إلى الاتفاق مع نظام الشرع بهدف الوصول إلى ضمانات سياسية تحمي مكتسباتها.

رهانات الطرفين وإكراهاتهما جعلت منهما حريصين على الذهاب إلى اتفاق يمنح لكل منهما ما يريد ولو الامر كان ظرفيًا، فالسلطة السورية الجديدة وبهذا الاتفاق تستعيد سيادتها على ثلث البلاد، وهو ما يعزز من سطوتها وقدرتها على أن تسيطر لاحقًا على كامل الأراضي السورية، في المقابل أمنت «قسد» ومن خلفها أكراد سوريا مستقبلهم السياسي ضمن إطار الدولة السورية، سواء بإدماجهم في الجيش أو في الدولة والمناصب السياسية العليا.

هذا الاتفاق يشكل إعادة رسم لخريطة السلطة في سوريا، حيث إن انضمام قسد إلى الجيش السوري يعني عمليًا إنهاء مشروع الحكم الذاتي الكردي، أو على الأقل تقليصه لصالح سلطة مركزية أوسع. غير أن نجاح هذا الاندماج يتوقف على مدى جدية نظام الشرع في الوفاء بالتزاماته السياسية، ومدى قبول قواعد قسد بهذا التحول.

تحول تتجاوز تداعياته الداخل السوري لتشمل المنطقة، وهو ما برز في ردود الفعل المتباينة بشأنه. إذ رحبت تركيا، التي لطالما اعتبرت قسد تهديدًا، بالخطوة، خاصة وأنها قد تفسر على أنها إنهاء أي ارتباط بين قسد وحزب العمال الكردستاني. لكنها، وبعيدًا عن الخطاب المعلن، لا تخفي توجسها، خاصة وأن الاتفاق لم يتضمن بنودًا واضحة بشأن الحد من النفوذ الكردي في الشمال السوري، وهو ما قد يدفعها في المستقبل إلى تحركات تهدد هذا الاتفاق.

مستقبل هذا الاتفاق مرتهن بعدة عناصر وقوى دولية وإقليمية يمكنها أن تؤثر في مجريات الأمور وتوجيهها، وذلك عبر التدخل في تفاصيل أبرز ملف عالق بين نظام الشرع وقوات سوريا الديمقراطية، وهو ملف سجون تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أُجل حسمه إلى موعد لاحق في ظل خلافات الطرفين.

هذا الملف تتباين فيه المواقف، فقسد مدعومة من واشنطن تصر على إبقاء السجون تحت سيطرتها، فيما تفضل السلطات الجديدة أن تكون السجون تحت يديها. هذه النقطة تحديدًا تعكس مدى تعقيد الوضع، إذ تشكل السجون ورقة ضغط مهمة بيد قسد، فيما يرى نظام الشرع أنه ملف لا يمكن تركه خارج نطاق سيطرته على المدى الطويل.

ما نحن إزاءه اليوم هو اتفاق هش رغم أهميته التكتيكية لكلا الطرفين، فهذا الاتفاق تكمن هشاشته في طبيعة التحديات التي تواجهه. استمرار الدعم الأمريكي لقسد، ومصير السجون التي تضم مقاتلي تنظيم الدولة، كذلك موقف أنقرة النهائي، كلها عوامل قد تحدد مدى استدامة هذا التفاهم. كما أن نجاحه مرتبط بقدرة حكومة الشرع على تقديم شراكة حقيقية للأكراد بدل استيعابهم في إطار شكلي. فإذا لم يقدم أحمد الشرع تنازلات حقيقية تضمن مشاركة الأكراد في العملية السياسية بشكل فعال، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الاتفاق لاحقًا، خاصة إذا شعرت قسد بأنها لم تحقق أية مكاسب حقيقية من هذه التسوية.

ومن العوامل الأخرى التي قد تؤثر على استمرارية الاتفاق موقف الفصائل المعارضة الأخرى داخل سوريا، والتي قد تنظر إلى هذا الاتفاق على أنه موجه ضدها، خاصة تلك التي كانت في صراع مباشر ودائماٍ مع قسد خلال السنوات الفارطة، وهو ما قد يدفع ببعضها إلى التحالف لتشكيل قوة ميدانية تتهيأ لخوض صراعات جديدة تزيد من تعقيد المشهد.

أي أننا أمام اتفاق لا يمكن إنكار أنه يمثل نقطة تحول في المشهد السوري، لكنه يبقى رهين التفاعلات الداخلية والإقليمية. فهل سيكون بداية لمسار جديد نحو استقرار البلاد، أم مجرد تسوية مؤقتة فرضتها الضرورة السياسية؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة، لكنها دون شك ستكون مرحلة اختبار حقيقي لجميع الأطراف المعنية