مشروع المدخل الشمالي الجنوبي بصفاقس ليس جديدًا؛ فقد تم تضمينه في المثال التوجيهي لتهيئة صفاقس الكبرى الذي أُعد خلال منتصف التسعينات، وتمت المصادقة عليه عام 1998. وفقًا للمخطط البرنامج (plan programme) لهذا المثال، كان من المفترض تنفيذ المشروع خلال المخطط العاشر (2002-2006)، مما يعني أنه كان ينبغي الانتهاء منه قبل حوالي 20 عامًا !
والملاحظ أن المشروع كما ورد في هذه الوثيقة يتألف من قسطين فقط: المدخل الشمالي والمدخل الجنوبي، دون الإشارة إلى وجود جزء أوسط أو قسط ثالث.
تمت إعادة طرح المشروع بمناسبة إعداد دراسة “التصرف المندمج للساحل الجنوبي لصفاقس” (Projet SMAP III) بين عامي 2008 و2010. وقد أكدت الدراسة أهمية اختيار مسار للمدخل الجنوبي لا يزيد من عزلة المنطقة عن البحر.
ومع ذلك، تأخر التنفيذ لسنوات طويلة…..
الوضع الحالي والتحديات
بعد سنوات، قررت وزارة التجهيز البدء بتنفيذ المشروع في قسطه الشمالي …دون استشارة مسبقة!
خلال الاستشارة المنظمة بتاريخ 8 جانفي 2025 حول مسار القسط الأوسط، أجمع الحاضرون على رفض قطعي لإقامة جسر من شأنه أن يضيف حواجز جديدة بين المدينة والبحر، مطالبين بمسار يسمح بدخول السفن إلى شط القراقنة.
وفي رأينا أنه في حالة استحالة تنفيذ المسار المقترح الذي يحافظ على الوصول إلى البحر، يُمكن النظر في إلغاء أو تأجيل إنجاز القسط الأوسط. ويبدو هذا الحل البديل منطقيا نظرًا لأن حركة التنقل بين الساحلين الشمالي والجنوبي ضعيفة حاليًا، ومن غير المتوقع أن ترتفع بشكل كبير في المستقبل القريب. خاصة وأن القطب العمراني المرتقب ضمن مشروع تبرورة لن يكون جاهزًا في الأفق القريب..
دروس من الماضي وتحذيرات للمستقبل
لا بد من التنبيه إلى أن الأخطاء العمرانية تترك آثارًا وخيمة طويلة الأمد، ولا يزال سكان مدينة صفاقس يعانون من عواقب اختيارات كارثية.
إن المدينة بحاجة إلى مصالحة مع البحر، وهذه المصالحة مسألة حيوية وهي تهدف أولا وبالذات إلى جبر الضرر ورد الاعتبار إلى سكان مدينة جعلتها القرارات الخاطئة في قطيعة مع شريطها الساحلي والمصالحة خيار استراتيجي نصت عليه وثائق رسمية، مثل المثال التوجيهي لتهيئة صفاقس الكبرى لعام 1998. هذا الخيار يجب أن يكون ملزمًا لجميع الجهات المعنية، بما في ذلك الإدارات المركزية، مع الابتعاد عن التدخلات الأحادية التي تتجاهل المصلحة العامة.
لتحقيق مصالحة حقيقية بين صفاقس وساحلها، يجب تثمين المناطق الساحلية ومن ضمنها شط القراقنة وذلك من أجل جعلها مجالات للترفيه والسياحة والتجارة، كما فعلت العديد من المدن حول العالم. حيث تم تحويل المواقع المينائية القديمة إلى وجهات حضرية نابضة بالحياة فعلى سبيل المثال، نجحت مدينة برشلونة في تحويل مينائها القديم إلى وجهة سياحية وترفيهية تجمع بين المتاحف والمطاعم والمناطق المفتوحة، مما عزز من اقتصادها المحلي. ونجد نفس التوجه في مدن أخرى مثل مرسيليا و لوهافر وفي عديد المدن المينائية الأخرى.
إن إعادة إحياء شط القراقنة أمر على درجة من الأهمية نظرا لما يحمله في الذاكرة الجماعية ولموقعه المتميز ولن يتم ذلك إلا بإلغاء كل التدخلات التي تعيق تواصله مع البحر.
الاستشارة الأخيرة، رغم تأخرها، يمكن اعتبارها خطوة إيجابية إذا تم التعامل معها بجدية. المهم الآن هو ألا تكون هذه الاستشارة شكلية، وأن تكون بداية ضمن مسار تشاركي مفتوح لكل الفاعلين وأن يتم الابتعاد عن القرارات الفوقية التي تعيد المدينة إلى مربع الأخطاء.
توفيق مقديش 14 جانفي 2025

The post المدخل الشمالي الجنوبي بصفاقس : مشروع قديم … واستشارة متأخرة…..توفيق مقديش appeared first on موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس.