من هناك من وراء الجدران الحديدية والفولاذية, من وراء الأسلاك الشائكة والأجهزة الاستشعارية, من داخل أكبر سجن حديدي في العالم, ومن تحت سماء تحلق فيها طائرات ومسيرات وصواريخ تقصف المدنيين ليلا نهارا في غزة, علت صيحات وأهازيج الفرح, بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار, الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 19 جانفي, بعد نحو 471 يوما من حرب لم يعرف لها التاريخ مثيلا, أحالت فيها آلة الحرب الوحشية مدينة غزة لمدينة الموت والدمار,471 يوما سطر فيهم شعب غزة ملحمة صمود أسطورية, حرب انتصر فيها شعب أعزل على أكبر ترسانة عسكرية من أحدث الأسلحة التدميرية, وأحبط كل السيناريوهات التي كانت تحاك ضده من خطة الجنرالات, والاستيطان, ومخطط التهجير, والفقاقات الإنسانية وغيرها, وجنب القضية الفلسطينية نكبة جديدة وأعادها إلى صدارة القضايا الدولية.
أهم بنود اتفاق وقف إطلاق النار
على مدار 15 شهرا لم يعلن عن وقف إطلاق النار و تبادل للأسرى إلا مرة واحدة, ثم لم تنجح جهود الوسطاء في عقد اتفاق جديد, بسبب عنت نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة, التي أحالت غزة لبوتقة من نار, حتى وصل معدل الحياة فيها إلى الصفر, غير أن تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في سير المفاوضات وضغطه على نتنياهو و حكومته , ساهم في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار, الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد بتبادل ثلاث محتجزات إسرائليات وتم الإفراج عن تسعين من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال فما هي أهم بنود الاتفاق؟
تطبق بنود الاتفاق على ثلاث مراحل
المرحلة الأولى:
يعلن فيها عن وقف مؤقت لإطلاق النار, ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من وسط القطاع, ويعيد انتشاره في محيط 700 متر داخل حدود غزة, كما سيتم الإفراج عن حوالي ألفين من المعتقلين في السجون الإسرائيلية, منهم 250 من المحكومين بالمؤبد, وحوالي ألف من المعتقلين بعد7 أكتوبر2023 وسيطلق سراح الرهائن على مدار مراحل الاتفاق.
في اليوم 22 من إعلان وقف إطلاق النار تنسحب القوات الإسرائيلية من وسط القطاع بالتحديد من محور نتساريم مع منح السكان حرية التنقل داخل القطاع.
تدخل حوالي 600 شاحنة يوميا كمساعدات منها 300 إلى شمال غزة.
يسمح بإدخال كل المستلزمات والمعدات الازمة لإعادة تأهيل البنية التحتية وإزالة الركام.
ويشمل الاتفاق بناء 60 ألف وحدة سكنية مؤقتة.
يفتح معبر رفح بعد7 أيام من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
تخفض إسرائيل قواتها تدر يجيا من محور فيلادلفيا وفق الخرائط التي وقع الاتفاق عليها.
يبدأ التفاوض بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق, بعد 16 يوما من بدء المرحلة الأولى
تستمر الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية, في القيام بدورهم في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية خلال مراحل لاتفاق الثلاثة, كذلك تستمر عمليات إعادة تأهيل البنية التحتية وإزالة الركام.
المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار:
تبلغ مدتها 6 أسابيع, يعلن فيها عن وقف الدائم لإطلاق النار انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من قطاع غزة مع الاستمرار في عملية تبادل الأسرى.
المرحلة الثالثة من وقف إطلاق النار:
لتبلغ مدتها 6 أسابيع سيتم خلالها تبادل جثامين ورفات الموتى مع الإعلان عن فتح المعابر للأشخاص والبضائع, وعن بدء إعادة إعمار غزة, وتعويض المتضررين من الحرب بإشراف كل من قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية.
غزة قصة صمود أسطوري
جاء في افتتاحية صحيفة هآرتس الإسرائيلية بعنوان الفلسطينيين أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم, ” أما الفلسطينيون فإنهم فعلا أصحاب الأرض, ومن غير أصحاب الأرض يدافع عنها بنفسه وماله وأولاده, بهذه الشراسة وهذا الكبرياء والتحدي, وأنا كيهودي أتحدى أن تأتي دولة إسرائيل كلها, بهذا الانتماء وهذا التمسك والتجذر بالأرض.”
لقد كان صمود الشعب غزة أسطوري, فقد أقر بذلك العدو قبل الصديق, كيف لا وعلى مدار 15 شهرا والجيش الإسرائيلي يدك غزة بأعتى الأسلحة, دون توقف ولو لساعات, 15 شهرا من قصف وحرق وقتل وقنص ووأد واعتقال للأبرياء, 15 شهرا من تجويع وأوامر بالإخلاء المتكرر عمدا , 15 شهرا والنازحون في خيام مهترئة بلا أكل ولا ماء, ويواجهون زمهرير الشتاء ونار الصيف بأجساد نحيلة وأسقام كثيرة, 15 شهرا وهم يتلقون أنباء فقدهم لأحبابهم بإيمان وصبر وجلد قل مثيله في هذا الزمن, حتى إن مشاهد ووحشية القتل حركت قلوب و مشاعر الشعوب غربية, التي لم تكن تعرف عن القضية الفلسطينية سوى الرواية الإسرائيلية المغلوطة, صمود وصبر وإيمان حول القضية الفلسطينية إلى قضية رأي عام عالمي, فخرجت مظاهرات في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا والسويد وإسبانيا وإيطاليا وغيرهم من الدول الغربية, وكم سمعنا عن استقالات لمسؤولين غربيين رفضوا سياسة حكوماتهم الداعمة لإسرائيل في حربها الوحشية عل غزة , وفي أوج الحرب تفاعلت بعض الحكومات الأوروبية, وطالبت إسرائيل بوقف الحرب وخطت خطوة نصرة لغزة, واعترفت بالدولة الفلسطينية كإسبانيا والنرويج
ولن تنسى غزة المحامي الفرنسي الراحل جيل دوفير مهندس مذكرة اعتقال نتنياهووغالنت الذي قال قولته الشهيرة” الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح ” بعد أن قام بتجييش كتيبة قانونية من 500 محام من كل أنحاء العالم, وتوجه بها إلى محكمة الجنائية الدولية, ثلة من المحامين تتملكهم نزعة نيرونية, فتحوا جبهة حرب قانونية ضد إسرائيل, فأضرموا نار الحق في ادعاءات نتنياهو الكاذبة, وفي كتابة مذكراتهم استعملوا أقلاما من الديناميت, فسمع دوي الانفجارات في ادعاءات فريق الدفاع الإسرائيلي, وخاضوا في بلاط المحكمة معارك قانونية ضارية, وانتصروا بإصدار المحكمة الجنائية لمذكرة اعتقال في حق نتنياهو وغلانت.
أما دولة جنوب أفريقيا فقد كان ردها على وحشية ودموية إسرائيل كذلك بعيدا عن ساحة المعركة, هناك بين أروقة محكمة العدل الدولية, حيث وقع استصدار ثلاثة أوامر في الدعوى المقدمة ضد إسرائيل, وفي تصريحاته لوسائل الإعلام, ذكر القاضي الكندي شاباس أن الدعوى لا تزال في المرحلة التمهيدية, وأن الرأي الاستشاري بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة الصادر في جويلية 2024 حول لا شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة والآثار المترتبة على ذلك, هو أحد أفضل الآراء التي أصدرتها المحكمة على الإطلاق, منذ إنشائها قبل ما يقارب من80 عاما. وحينما نقول حرب غزة حرب إبادة تقفز في ذاكرتنا المحاربة فرانشيسكا ألبانيز, تلك المحاربة الشرسة والتي وقفت في وجه إسرائيل, ولم تتراجع قيد أنملة أمام كل الضغوطات, وأعلنت أن الحرب في غزة هي حرب إبادة جماعية, لقد كسبت غزة في هذه الحرب تعاطف العالم, ونفضت الغبار على القضية الفلسطينية التي كادت أن تنسى وصححت البوصلة نحو القدس.
لقد آن لشعب الجبارين أن يركن للسلام, وأن يلملم جراحه, ويتفقد أحبابه, ويدفن الشهداء العالقين تحت الركام, وأن يفخر بصموده وانتصاره, ويعيد بناء غزة من جديد حتى تعود كما كانت وأجمل, ويكمل المسيرة حتى تحرير القدس, حتى تحرير الأقصى.
The post سلام على شعب غزة العظيم….لبنى حمودة appeared first on موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس.