لم تتوقع أمريكا أن تسقط الصين درّة تاج أسواقها في قطاع التكنولوجيا عبر تطبيق ”ديب سيك” الذي أثار الارتباك في صفوف عمالقة التكنولوجيا في زمن يشهد فيه العالم سباقا نحو ريادة الذكاء الاصطناعي.
المولود الصيني الجديد تمكن في فترة وجيزة من تقديم نماذج ذكاء اصطناعي تُنافس الأفضل عالمياً، وأحدث موجة كبيرة من التغييرات الجديدة في ساحة الحرب التكنولوجية العالمية خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية التي تواجه أسواقها التكنولوجية أزمات كبرى وخسائر اقتصادية فادحة بعد ظهور التطبيق، كما فقدت شركات تكنولوجية كبرى مئات المليارات من قيمتها السوقية، وفقًا لما نقلته صحيفة “غارديان” البريطانية.
ما “ديب سيك”؟
“ديب سيك” (DeepSeek) هو روبوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي طورته شركة صينية.. تأسس سنة 2023 على يد ليانغ وينفينغ، ويقع مقرها في مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ، أحد أبرز المراكز التكنولوجية في الصين.
ويسعى التطبيق إلى منافسة منصات الذكاء الأمريكية مثل “تشات جي بي تي” و”كلاود”، إذ يعتمد على تقنيات تحليل متقدمة تتيح له التعامل مع كميات ضخمة من البيانات وتقديم إجابات دقيقة في مجالات متنوعة.
ورغم حداثته، حقق “ديب سيك” انتشاراً سريعاً، إذ تصدر قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً في متجر “آب ستور” في الولايات المتحدة، متجاوزاً “تشات جي بي تي”، في مفاجأة لخبراء الذكاء الاصطناعي.
خسائر فادحة للأسواق التكنولوجية الأمريكية
أثر ”ديب سيك” بصفة مباشرة على الأسواق التكنولوجية الأمريكية، استنادا لبيانات نشرتها شبكة سي إن بي سي الأمريكية، والتي بينت انخفاض أسهم شركات التكنولوجيا بشكل كبير في الأسبوع الأخير من شهر جانفي 2025.
وتكبدت الأسواق الأمريكية خسائر فادحة تصدرتها شركة إنفيديا، مصممة الرقائق والتي كانت المستفيد الأكبر من طفرة الذكاء الاصطناعي، حيث انخفضت أسهمها بأكثر من 17%، لتصل إلى مستوى منخفض جديد في التعاملات، كما خسرت الشركة نحو 600 مليار دولار من قيمتها لتتراجع للمركز الثالث عالمياً.
وخسرت أسهم Micron AMD شركات تصنيع الرقائق بـ 8.6% و5.5% على التوالي. وانخفضت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة Amazon وMeta بنحو 5% لكل منهما، في حين تراجعت أسهم Microsoft بنسبة 6%. كما تراجعت أسهم شركة ألفابيت بنسبة 4% وهي الشركة الأم لمحرك بحث غوغل.
وشهدت وول ستريت انخفاضا كبيرا في بيع أسهم الرقائق والذكاء الاصطناعي بسبب ”ديب سيك” الذي تمكن من التفوق على نموذج OPENAI ونجح في تطوير نموذج اصطناعي بتكلفة أقل من الشركات المنافسة.
كما شهدت شركة برودكوم انخفاضًا في الأسهم بنسبة 17% فيما سجلت شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات انخفاضا بنسبة 13%.
من جهة أخرى، خالفت أسهم أبل توقعات شركات التكنولوجيا الكبرى حيث ارتفعت بنسبة 3.18%.
ترامب يحذر من ديب سيك: جرس إنذار..
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتخلف كالعادة وحذر من التطبيق الجديد، مشيرا إلى أنه بمثابة “جرس إنذار”.
وقال ترامب خلال حضوره اجتماعا لأعضاء مجلس النواب الجمهوريين في ميامي، إن “تكنولوجيا شركة DeepSeek الناشئة الصينية، يجب أن تعمل كحافز للشركات الأمريكية”.
وأضاف: “من الجيد أن تتوصل الشركات في الصين إلى طريقة أرخص وأسرع للذكاء الاصطناعي. “أرى ذلك إيجابيا، لأنك ستفعل ذلك أيضا، لذلك لن تنفق الكثير، وستحصل على نفس النتيجة، نأمل ذلك”.
ويدخل قطاع التكنولوجيا إلى ملفات الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، خاصة موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تطبيق تيك توك، والمطالبة بشراء نصفه لصالح أمريكا.
الـ”ديب سيك” محظور من البنتاغون ووكالة الناسا.. ومن دول أيضا
أعلنت وكالة ناسا حظر استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي ديب سيك من قبل الموظفين ومنعت الوصول إلى المنصة من أنظمتها وفقا لـ CNBC، وفي ظل مخاوف أثارها التطبيق بشأن قيادة شركات الذكاء الاصطناعي الأوروبية للمجال خلال الفترة المقبلة، وذلك مع ارتفاع تحميله على متجر Apple مقارنة بنظيره ChatGPT التابع لشركة Open AI الأمريكية.
وفي مذكرة أصدرتها لجميع موظفي ناسا من كبير مسؤولي الذكاء الاصطناعي في الوكالة، تم إبلاغ الموظفين أن خوادم DeepSeek “تعمل خارج الولايات المتحدة، مما يثير مخاوف تتعلق بالأمن القومي والخصوصية”.
وجاء في المذكرة: ”إن ديب سيك ومنتجاتها وخدماتها غير مصرح باستخدامها مع بيانات ومعلومات ناسا أو على الأجهزة والشبكات الصادرة عن الحكومة”.
كما أعلنت هيئة حماية البيانات الإيطالية أنها حظرت نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني بسبب نقص المعلومات حول البيانات الشخصية التي يجمعها. وأوضحت الهيئة في مذكرة على موقعها على الإنترنت أن قرار حظر “ديب سيك” دخل حيز التنفيذ على الفور.
تايوان ومئات الشركات الأمريكية..
بدورها، منعت تايوان العاملين في القطاع العام وفي مرافق البنى التحتية الحيوية من استخدام التطبيق، قائلة إنه منتج صيني ويمكن أن يعرض الأمن القومي للخطر.
وقامت المئات من الشركات الأمريكية وخاصة تلك التي لها علاقات بالحكومة بحظر الخدمة أيضا، وفقًا لما ذكره تقرير لـ “بلومبرغ” استنادًا إلى مقابلات مع مسؤولين تنفيذيين من شركتي الأمن السيبراني “أرميس” و”Netskope”.
وذكر التقرير، أن شركة محاماة في سان فرانسيسكو، فوكس روتشيلد، حظرت تطبيق ديب سيك أيضًا.
من جانبه، بدأ البنتاغون في حظر التطبيق بينما حظرته البحرية الأميركية الأسبوع الماضي.
إقرار أمريكي بتقدم “ديب سيك”
أشاد الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، بالشركة الصينية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، معتبراً أنها “حققت بعض الابتكارات الحقيقية”، التي طورتها شريكتها OpenAI فيChatGPT.
وأضاف ناديلا: “من الواضح أن هذه الابتكارات ستصبح سلعاً تُستخدم على نطاق واسع”.
كما أقرّ الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا” مارك زوكربيرج، بأن شركة “ديب سيك” تمثل “منافساً جديداً “في مجال الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر.
وقال زوكربيرج: “في ضوء بعض الأخبار الأخيرة، تعلمون أن هناك منافس جديد، ديب سيك من الصين.. أعتقد أن أحد الأمور التي نناقشها هو المعيار مفتوح المصدر على مستوى العالم، ومن منظور وطني، من المهم أن يكون هذا المعيار أمريكياً”.
وأضاف أن ظهور “ديب سيك” عزّز قناعة “ميتا” بأن الاستمرار في التركيز على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر هو القرار الصحيح للشركة.
وخلال الاجتماع، أشار زوكربيرج إلى أن “ديب سيك” قامت “بعدد من الابتكارات الفريدة”، لتدريب نموذجها بسرعة وتكلفة منخفضة، وهو ما لا تزال “ميتا” تحلله.
أما جون ستانكي، المدير التنفيذي لشركة الاتصالات الأميركية AT&T، فقد اعتبر أن نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة منخفضة التكلفة ستفتح الباب أمام تطبيقات وفرص مميزة لقطاع الأعمال خلال الفترة المقبلة.
كما أشار ستانكي إلى أن هذه النماذج تعد تكنولوجيا محورية ستغير من طريقة تفاعل البشر مع العالم الرقمي، تماماً كما كان الحال في الأيام الأولى لتأسيس الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي.
وأشاد ستانكي كذلك بالنماذج الثورية للذكاء الاصطناعي مثل “ديب سيك”، والتي تستخدم قوة حاسوبية منخفضة، وتتطلب كمّاً محدوداً من الطاقة، مشيراً إلى أنها ستكون عملية لتقديم وتشغيل بعض التطبيقات والقطاعات السوقية، إلى جانب أنها تتيح تشغيل النماذج ذات الإمكانيات المتقدمة محلياً على الأجهزة، بدلاً من الاعتماد على الحوسبة السحابية، مما سيخلق تطبيقات جديدة تحافظ على خصوصية البيانات، كما تقدم أداءً بمعدل استجابة سريع ولحظي.
كم تبلغ كلفة تطوير “ديب سيك”؟
أعلنت الشركة أن كلفة تطوير “ديب سيك” بلغت 5.6 مليون دولار فقط، وهو مبلغ أقل بكثير مما تنفقه شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى.
على سبيل المثال، تخصص “أوبن أي آي” مئات الملايين من الدولارات لتطوير “تشات جي بي تي”، فيما تستثمر “مايكروسوفت” و”غوغل” و”ميتا” مليارات الدولارات لتعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
هذا الفارق الكبير في الكلفة جعل الخبراء يتساءلون عن كيفية نجاح “ديب سيك” في تقديم أداء مماثل أو حتى متفوق على بعض النماذج الغربية، على رغم استخدامه موارد أقل بكثير.
إصدارات نماذج ديب سيك
وأصدرت الشركة حتى الآن 6 نماذج موسعة لمعالجة اللغات بداية من نوفمبر2023، وأتاحت أكوادها البرمجية مجاناً للمطورين، ما أدى إلى نشوب حرب سعرية في قطاع الذكاء الاصطناعي بالصين، لكنها استمرت على نفس النهج حتى طرحت في العاشر من يناير الجاري نموذجي “ديب سيك في3″ و”ديب سيك آر1” اللذين سببا اضطراباً في الأسواق المالية العالمية.
The post ديب سيك ‘يُزلزل’ العمالقة.. الصين تُسقط تاج أمريكا appeared first on موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس.