شهد عام 2024 نموًا اقتصاديًا قويًا في الولايات المتحدة، خالف التوقعات المتشائمة التي توقعت حدوث ركود. إذ دفع تراجع التضخم وتحسن الكفاءة الاقتصادية معظم الخبراء إلى التوقف عن التنبؤ بانكماش اقتصادي، ليصبح ما يُعرف بـ"الهبوط السلس" للاقتصاد حقيقة حتى الآن. لكن كما هو الحال دائمًا، يبقى هذا الهبوط سلسًا إلى أن تتغير الظروف.
رغم توقعات التباطؤ بسبب السياسة النقدية المتشددة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، استطاع الاقتصاد تجاوز الأزمات السابقة. في الأشهر الأخيرة من عام 2024، خفض الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات، آخرها في 18 ديسمبر. لكن مع تباطؤ وتيرة التخفيضات المتوقعة في 2025، يتساءل البعض عما إذا كان الاقتصاد الأميركي قد تجاوز حقبة الفائدة المنخفضة نهائيًا، بحسب ما نقلته وكالة "يونايتد برس إنترناشونال" واطلعت عليه "العربية Business".
 
يتمثل التحدي الأكبر للفيدرالي في تحقيق توازن دقيق بين دعم النشاط الاقتصادي وكبح جماح التضخم، الذي استقر عند 2.4%، وهو قريب من المعدل المستهدف البالغ 2%. ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة بشأن تأثير معدلات الفائدة المرتفعة على الاقتصاد.
 
التضخم وعدم اليقين الاقتصادي
رغم تراجع التضخم من ذروته عند 9.1% في منتصف 2022 إلى أقل من 3% حاليًا، لا يزال الوصول إلى مستهدف الفيدرالي البالغ 2% يمثل تحديًا.
وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد سيستمر في النمو خلال 2025، لكنه قد يتباطأ مقارنة بالوتيرة القوية التي شهدها في 2024، فعلى الرغم من أن نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث تم تعديله إلى 3.1%، ومن المتوقع أن ينمو الربع الرابع بالوتيرة ذاتها، يُتوقع أن يستمر النمو في تجاوز إجماع التوقعات البالغة 2.2% والتوقعات الأطول أجلاً البالغة 2%.
 
السياسات المالية والرسوم الجمركية: فرص أم مخاطر؟
تلوح في الأفق مخاطر جديدة عديدة. ومن أهمها زيادة التعريفات الجمركية المحتملة، والتي قد تعطل التجارة، وتدفع أسعار السلع إلى الارتفاع، بل وتعزز قيمة الدولار الأميركي.
 
يبلغ متوسط معدل التعريفات الجمركية الأمريكية الفعلي 2%، ولكن حتى زيادة خمسة أضعاف إلى 10% قد تؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية، وخلق تحديات اقتصادية، وتعقيد توقعات التضخم.
ويُشار إلى أن كل زيادة بنسبة 1% في الرسوم الجمركية ترفع معدل التضخم السنوي بمقدار 0.1%..
على الجانب الآخر، ربما يعزز تعهد الإدارة الجديدة بخفض الضرائب النمو الاقتصادي إذا تم توجيه العائدات نحو استثمارات إنتاجية. لكن هذا قد يؤدي إلى زيادة العجز في الميزانية، مما يضيف مخاطر على المدى البعيد.
 
استقرار سلوك المستهلك وقوة سوق العمل رغم التحديات
رغم ارتفاع معدل البطالة إلى 4.2% مقابل 3.7% بداية 2024، تظل سوق العمل قوية مع استمرار نمو الدخل الحقيقي ودعم القوة الشرائية للمستهلكين.
لكن تزايد أرصدة الديون يشير إلى أن بعض الأميركيين يعانون من ضغوط مالية رغم تحسن الدخل. يكمن العامل الأساسي وراء هذا الاستقرار النسبي في احتفاظ الشركات بموظفيها خشية صعوبة التوظيف مستقبلًا، وهي ظاهرة تُعرف بـ"الاحتفاظ العمالي".
 
الأسواق المالية والاستثمار
تظل التوقعات للأسواق المالية في 2025 إيجابية مع استمرار النمو الاقتصادي. ولكن مستويات أسعار الأسهم المرتفعة تاريخيًا قد تثير بعض الحذر. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول قد يفرض ضغوطاً على مستويات ديون الشركات والقطاعات الحساسة لأسعار الفائدة، مثل الإسكان والمرافق.
ومع ذلك، يعد قطاع التكنولوجيا، مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي، قطاعاً واعداً يدفع النمو في الأسواق، في حين يوفر الاتجاه نحو الإنتاج المحلي فرصًا استثمارية جديدة.
ورغم حالة عدم اليقين المستمرة، يبقى التنويع الاستثماري مفتاح النجاح للمستثمرين. ومع اقتراب التضخم من مستهدف الفيدرالي وارتفاع الأجور بوتيرة أسرع من التضخم، تبدو آفاق النمو الاقتصادي لعام 2025 واعدة.
 
المصدر: العربية.نت