هنا عدن | متابعات
مقال "ديفيد هيرست" في موقع "MEE" |
في حرب التحرير، بإمكان الضعيف عدّة وعتادا تحقيق النجاح، مخالفا بذلك كل التوقعات. فهذه الحروب ما هي سوى معارك إرادة. ليست المعركة هي التي يُعوّل عليها، وإنما القدرة على الاستمرار في القتال".
"في الجزائر وفي فيتنام، كانت الجيوش الفرنسية والأمريكية تتمتّع بتفوّق عسكري كاسح، ولكن انتهى الأمر بالقوات في كلتا الحالتين إلى الانسحاب بعد سنين عديدة، في حالة من الخزي والإخفاق. تحقّق ذلك في فيتنام بعد ست سنين من (هجوم تيت)، الذي كان -تماما- مثل هجوم السابع من أكتوبر 2023، يُعدّ في حينه عملية عسكرية فاشلة، لكن رمزية القتال من جديد بعد كل تلك السنين من الحصار، أثبتت أنها العامل الحاسم في الحرب. في فرنسا، مازالت ندبات التجربة في الجزائر حيّة حتى اليوم. في كل حرب من حروب التحرير، يثبت تصميم الضعيف على المقاومة أنه أشدّ حسما من القدرات العسكرية للقوي. في غزة، كان تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء في أرضه – حتى وهي تتحوّل إلى ركام – هو العامل الحاسم في هذه الحرب. وهذا إنجاز مذهل إذا ما أخذنا بالاعتبار أن المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها الـ360 كيلومترا مربعا، كانت مقطوعة بالكامل عن العالم، دون حلفاء يساعدون في كسر الحصار، بدون تضاريس طبيعية تساعد على الاختباء. صحيح أن حزب الله قاتل في الشمال، ولكن ذلك لم يسعف الفلسطينيين في غزة بشيء على الأرض، وهم الذين كانوا عُرضة للقصف الليلي المستمر، وللهجمات التي كانت تشنّ عليهم بالطائرات المسيّرة لتمزيق الخيام التي تؤويهم. لا المجاعة القسرية، ولا البرودة، ولا المرض، ولا التنكيل الوحشي والاغتصاب الجماعي على أيدي الغزاة، فتّ في عضدهم أو نال من تصميمهم على البقاء في أرضهم. لم يحدث من قبل أن أظهر المقاتلون والمدنيون الفلسطينيون مثل هذا المستوى من المقاومة في تاريخ الصراع، ولعل ذلك يكون نقطة تحوّل تاريخي".
"ما خسرته "إسرائيل" في حملتها التي كانت تهدف إلى سحق غزة لا يمكن حسابه، فقد أهدرت عقودا من الجهود الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية المستدامة، التي بذلتها من أجل إقناع الرأي العام الغربي بأنها بلد غربي ليبرالي ديمقراطي. لم تخسر "إسرائيل" جنوب المعمورة فحسب، رغم ما استثمرته من جهود في أفريقيا وفي جنوب أمريكا، بل قد خسرت أيضا دعم جيل من أبناء الغرب، الذين ليست لديهم تلك الذاكرة الطويلة التي لدى بايدن. لست صاحب هذه الفكرة، وإنما صاحبها هو جاك ليو، الرجل الذي عينه بايدن سفيرا لدى "إسرائيل" قبل شهر واحد من هجوم حماس".
"لقد غدت الحرب في غزة المنشور الذي يرى من خلاله الجيل الجديد من زعماء المستقبل في العالم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذه خسارة استراتيجية كبيرة لبلد كان يظن حتى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بأنه طوى ملف القضية الفلسطينية، وأن الرأي العام العالمي بات في جيبه. إلا أن الضرر أبعد وأعمق من ذلك. لقد أوجدت الاحتجاجات ضد الحرب، التي ندّدت بها الحكومات الغربية أولا باعتبارها معاداة للسامية ثم راحت تشرع ضدها باعتبارها إرهابا، جبهة عالمية لتحرير فلسطين، بينما غدت حركة مقاطعة "إسرائيل" أقوى من أي وقت مضى. تقف "إسرائيل" اليوم في قفص الاتهام داخل المحاكم الدولية، وهو أمر لم يسبق أن حدث من قبل. لا يقتصر الأمر على صدور مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولا على استمرار قضية الإبادة الجماعية المرفوعة لدى محكمة العدل الدولية، وإنما ثمة عدد كبير من القضايا الأخرى، التي توشك أن تغرق بها المحاكم في كل واحدة من الديمقراطيات الغربية الكبرى".