قدمت الحكومة الأميركية يوم الأربعاء الماضي اقتراحا رسميا لتقسيم جزئي لشركة ألفابت (GOOG، GOOGL)، المالكة لشركة غوغل، داعية قاضيا فيدراليا إلى إجبار الشركة على بيع متصفح الويب كروم، بعد حكم تاريخي صدر هذا العام أكد أن غوغل انتهكت قانون مكافحة الاحتكار الأميركي عبر أعمالها في مجال البحث.
ويفتح هذا الطلب المقدم من وزارة العدل ومجموعة من الولايات الباب أمام فرض عقوبات مكافحة الاحتكار الأكثر أهمية على شركة تقنية في جيل كامل، مستهدفا ليس فقط احتكار “غوغل” غير القانوني في البحث، لكن أيضا طموحاتها المتزايدة في الذكاء الاصطناعي.
وإذا تمت الموافقة على العقوبات، فقد تحدث ثورة في كيفية بحث الملايين من الأميركيين عن المعلومات، وقد تؤدي إلى تعطيل التكامل الوثيق بين العديد من منتجات وخدمات “غوغل” الرئيسة، وقد وعدت “غوغل” بالاستئناف ولم ترد فورا على طلب التعليق بشأن الطلب الذي قُدم يوم الأربعاء الماضي.
تفاصيل القضية
تركز القضية الحالية على ما إذا كانت ممارسات “غوغل” بشأن محرك البحث الافتراضي في متصفح كروم، بالإضافة إلى أجهزة الآيفون والأندرويد، تمثل احتكارا يغلق السوق أمام محركات البحث الأصغر. وفي الوثائق المقدمة للمحكمة، طالب مسؤولو مكافحة الاحتكار بفصل متصفح كروم لمنع تكرار الاحتكار غير القانوني في المستقبل، مؤكدين أن غوغل استفادت من ميزة مكتسبة بشكل غير قانوني، كما طالبوا بحظر الاتفاقيات الحصرية مع شركات مثل “آبل” و “سامسونج” التي عززت هيمنة “غوغل”، واقترحوا أن يتم إلزام “غوغل” بمشاركة نتائج بحثها مع منافسيها لمدة 10 سنوات.
التأثير على سوق البحث والإعلانات
صرح أستاذ الاقتصاد بجامعة نورث إيسترن جون كووكا: فصل “كروم” عن “غوغل” ومنع اتفاقيات التعيين الافتراضي لمحركات البحث سيضع محرك بحث “غوغل” في منافسة، مع طرق أخرى لوصول المعلنين إلى العملاء المحتملين”.
“كروم” هو أحد المنتجات الشهيرة التي تعتمد عليها “غوغل” لدعم هيمنتها في مجال الإعلانات، فهو يمتلك 61 % من حصة سوق المتصفحات في الولايات المتحدة، ويشكل 20 % من عمليات البحث العامة، وفقا لحكم القاضي ميهتا في أغسطس.
القيمة التوزيعية لـ “كروم”
“كروم” ليس مجرد متصفح، بل هو بوابة إلى عادات البحث لمليارات المستخدمين. وعند فتح “كروم” واستخدام شريط البحث، يتم تحويل هذه الاستفسارات إلى عمليات بحث في “غوغل”، وهذا يختلف عن الأجهزة الأخرى، مثل أجهزة “ويندوز” التي تعتمد على محرك Bing الخاص بـ “مايكروسوفت”، و “كروم” يتجنب التعقيدات والتكاليف؛ لأن “غوغل” تتحكم به وتُعيّن محركها الافتراضي مجانا.
ميزة البيانات الذاتية
بعد تثبيت “كروم”، تجمع “غوغل” كميات هائلة من بيانات المستخدمين من المتصفح وعمليات البحث داخله، وتُستخدم هذه المعلومات لتحسين الإعلانات الموجهة ذات القيمة العالية.
وهناك ميزة أخرى قوية بـ “كروم”، إذ عندما يستخدمه الأشخاص للبحث عبر الإنترنت، تراقب “غوغل” النتائج التي يتم النقر عليها، وتُعيد هذه البيانات إلى محرك البحث لتحسين نتائجه باستمرار. فعلى سبيل المثال، إذا نقر معظم المستخدمين على النتيجة الثالثة، قد تُعدل غوغل ترتيب النتائج في المستقبل لتصبح هذه النتيجة أعلى.
وهذا النظام ذاتي التعزيز، المدعوم بـ “كروم”، تصعب منافسته. إحدى الطرق القليلة للمنافسة هي توزيع أكبر من “غوغل”، وإذا أصبح “كروم” منتجا مستقلا، قد تتمكن محركات بحث من المنافسة من أجل الحصول على جزء من هذا التوزيع.
استثمار “كروم” في الذكاء الاصطناعي
في العام 2011، وصف المستثمر بيل جورلي “كروم” و “أندرويد” بأنهما “خنادق باهظة الثمن وعدوانية للغاية، تمولها قوة غوغل”. (
كما تستخدم “غوغل” “كروم” للوصول إلى المستخدمين بمنتجات ذكاء اصطناعي جديدة، مثل ميزة العدسة (Lens) للتعرف على الصور، في محاولة لمواجهة المنافسين الناشئين مثل “OpenAI”.
درس من “Neeva”
حاولت شركات عديدة تحدي “غوغل” في سوق المتصفحات، لكنها فشلت غالبا. مثال ذلك، محرك البحث Neeva الذي ركّز على الخصوصية، وأطلقه مدير إعلانات سابق في “غوغل”.
اضطرت “Neeva” إلى تطوير محرك بحث ومتصفح خاص بها للتنافس مع “كروم”، لكنها أغلقت بعد 4 سنوات.
قال رماسوامي، وهو أحد مؤسسي “Neeva”: ينسى الناس أن نجاح “غوغل” لم يكن بسبب منتج أفضل فقط، بل نتيجة قرارات توزيع ذكية للغاية.
“إزعاج يمكن التعامل معه”
صرح رئيس الاستراتيجية في شركة Equativ تيفيون باري، بأن فقدان 3 مليارات مستخدم شهريا لمتصفح كروم سيكون “ضربة كبيرة” لـ “غوغل”.
مع ذلك، تمتلك “غوغل” وسائل أخرى للوصول إلى المستخدمين وجمع البيانات، مثل “Gmail” و “يوتيوب” و “متجر Play”. وأضاف باري أن خسارة “كروم” ستكون “إزعاجا يمكن التعامل معه”.
تأثيرات أوسع على الويب
عبر المستشار المستقل في الأمن الإلكتروني والخصوصية لوكاس أوليجنيك، عن قلقه بشأن تأثير بيع “كروم” على شبكة الإنترنت عموما. وأضاف “كروم يتبنى الابتكارات بسرعة كبيرة، مشيرا إلى ميزات الأمان مثالا. لكن من دون دعم “غوغل” المالي، قد يواجه “كروم” صعوبات في التطوير، ما قد يؤدي إلى تباطؤ في تقدم الويب.
بقاء “كروم” منتجا مستقلا
تثير قضية الفصل تساؤلات عن مستقبل “كروم” كمنتج مستقل. وقدر تحليل من “بلومبيرغ” قيمة “كروم” بين 15 و20 مليار دولار إذا تم بيعه، ومن غير المرجح أن يُسمح لشركة كبرى مثل “Meta” بشرائه، لكن قد تكون شركات ناشئة مثل “OpenAI” مهتمة. واقترح باحثون أن يتم تصنيف المتصفحات كخدمات عامة لمنع الممارسات الاستبعادية.
رد “غوغل”
تخطط “غوغل” للاستئناف على أي حكم قد يصدر ضدها، ما قد يؤخر القرار سنوات عدة. وقالت نائب رئيس شؤون التنظيم في “غوغل” لي-آن مولولاند “وزارة العدل تدفع بأجندة جذرية ستضر بالمستهلكين والمطورين”. وأضافت أن مثل هذه القرارات قد تُضعف القيادة التكنولوجية الأميركية في وقت حرج.