في لقاء خاص لصحيفة “البلاد” مع فريق من الباحثين عملوا دراسة مميزة تناولت مفهوما جديدا في ريادة الأعمال، أطلقوا عليها اسم “الريادة العاطفية”، إذ تم اللقاء مع كل من الأستاذ المشارك بالجامعة الملكية للبنات د. نهال النجار، والأستاذ المشارك بجامعة المملكة د. رانيا نافع، والباحث المشارك في المشروع الاستشاري الرئيس بشركة جفكون جلال ناصر. ويستعرض هذا المفهوم كيف تلعب العواطف أدوارا محورية في تأسيس المشروعات واستدامتها، ما يضيف بعدا جديدا إلى عالم الأعمال التقليدي.
ما هي الريادة العاطفية؟
أوضح الباحثون في مستهل اللقاء أن الريادة العاطفية تصف المشروعات التي تستند إلى دوافع عاطفية، سواء كانت إيجابية مثل الفرح والحماسة، أو سلبية مثل الحزن والرغبة في تجاوز الأزمات، وأن “الريادة العاطفية ليست مجرد فكرة عابرة، بل إنها فلسفة تعكس الأثر العاطفي للمؤسسين على مشروعاتهم، فمشاعر مثل الرغبة في إحياء ذكرى أو تحقيق حلم قديم يمكن أن تكون أساسا لمشروعات طويلة الأمد”.
وأضاف الباحثون “بينما يركز مفهوم ريادة الأعمال التقليدي على الربحية والنمو الاقتصادي، تذهب الريادة العاطفية إلى أبعد من ذلك، لتشمل تحقيق أهداف عاطفية وإنسانية تسهم في تعزيز الترابط مع المجتمع”.
التأثير الثقافي: مقارنة بين البحرين ومصر
ناقش الباحثون أثناء اللقاء الأثر الثقافي لمفهوم الريادة العاطفية بين البحرين ومصر، وأكد الباحثون أن الثقافتين، على الرغم من تباينهما النسبي في بعض الجوانب، تتشاركان في سمات عاطفية قوية تسهم في دعم رواد الأعمال. وأضافوا “البحرين ومصر يتسمان بثقافة مجتمعية جماعية تعطي أهمية للعائلة والأصدقاء في اتخاذ القرارات، وهذا التوجه يجعل مفهوم الريادة العاطفية أكثر تأثيرا مقارنة بالدول الغربية، التي تعرف بثقافتها الفردية والمادية”.
ولفتوا إلى أنه على الرغم من التشابه في التأثير العاطفي، إلا أن البيئة الاقتصادية في كل من البحرين ومصر تؤثر على استدامة المشروعات، ففي البحرين، يواجه رواد الأعمال تحديات لوجستية، بينما في مصر، يعوق نقص العمالة المدربة وبعض الفجوات الثقافية استمرارية المشروعات.
دور العاطفة في مراحل المشروع
يرى الباحثون أن العاطفة تلعب دورا رئيسا في كل مرحلة من مراحل المشروع، وتبدأ من الحلم بإنشاء مشروع، مرورا بمرحلة التأسيس، حتى الاستدامة والنمو، وأوضحوا أن “العاطفة ليست مجرد دافع مبدئي، بل تتجسد في جميع مراحل إدارة المشروع، فعلى سبيل المثال، في مرحلة الاستدامة، نجد أن رواد الأعمال الذين يربطون نجاحهم العاطفي بمشروعاتهم يميلون إلى الحفاظ على ولاء العملاء والموظفين بشكل أكبر”.
التحديات أمام رواد الأعمال العاطفيين
سلط اللقاء الضوء على التحديات التي تواجه الريادة العاطفية، ومن أبرزها، وفقا للباحثين، تأثير جائحة “كوفيد- 19” على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتابعوا شهدنا كيف تضررت مشروعات ريادة الأعمال العاطفية بشدة بسبب الإغلاق، خصوصا تلك التي تعتمد على التفاعل المباشر مع العملاء، ومع ذلك، فإن الروابط العاطفية التي يبنيها رواد الأعمال مع موظفيهم وزبائنهم ساعدتهم على الصمود”.
وزادوا “من التحديات أيضا النظرة النمطية السلبية تجاه بعض الحرف اليدوية والمهن التقليدية، سواء في البحرين أو مصر، وعليه نحتاج إلى تغيير هذه النظرة لتعزيز الابتكار في هذه المجالات”.
أمثلة واقعية: من الحلم إلى النجاح
استعرض الباحثون عددا من الحالات الدراسية من البحرين ومصر، أحد أبرز الأمثلة التي طرحها الباحثون كان عن مشروعات صغيرة في قطاع الأغذية والمشروبات، إذ يعتمد النجاح بشكل كبير على الشغف والابتكار، وأشاروا إلى أمثلة لرواد أعمال بحرينيين حولوا وصفات تقليدية إلى منتجات مميزة عبر إضافة لمسات حديثة، ما عزز علاقتهم مع العملاء وحقق لهم النجاح.
أما في مصر، فقد لفت الباحثون إلى تجربة رواد أعمال في قطاع الحرف اليدوية، مثل تصميم المجوهرات التقليدية، كما لاحظوا كيف أن الروابط العاطفية مع الحرف والتقاليد تسهم في استدامة المشروعات، على الرغم من التحديات الاقتصادية.
توصيات الباحثين لتطوير الريادة العاطفية
خرج اللقاء بعدد من التوصيات المهمة، من بينها، إدخال مفهوم الريادة العاطفية في المناهج التعليمية نظرا إلى أهمية تعزيز وعي الطلاب بهذا النوع من الريادة، إذ يمكن أن تبدأ المشروعات من حلم صغير وتتحول إلى واقع مستدام، وقد يشكل مفهوم الريادة العاطفية مساهمة ملحوظة في نظرية ريادة الأعمال، كما قد يضيف هذا المفهوم الجديد القدرة على تفسير استمرارية بعض الأعمال، كالشركات الريادية العائلية، على سبيل المثال، أو توقفها عند الجيل الثاني أو الثالث لضعف الريادة العاطفية.
تشجيع الابتكار في الحرف التقليدية: أكد الباحثون أن القطاعات التي تواجه تحديات مثل الحرف اليدوية تحتاج إلى دعم إضافي لتشجيع الشباب على العمل فيها.
تغيير النظرة النمطية: دعا الباحثون إلى تغيير التصورات السلبية تجاه المهن اليدوية والحرف التقليدية، مع التركيز على إبراز قيمتها الثقافية والاقتصادية.
تعزيز الدعم الحكومي والخاص: أشار الباحثون إلى ضرورة أن تولي المؤسسات الحكومية والخاصة اهتماما أكبر بالمشروعات القائمة على العاطفة، عبر مبادرات تمويلية وبرامج تدريبية.
نحو أبحاث أوسع في المستقبل
أعلن الباحثون أن خطوتهم المقبلة ستتمثل في تصميم وتطوير مقياس لقياس الريادة العاطفية، وقياس مدى انتشار مفهوم الريادة العاطفية في قطاعات مختلفة، مثل ريادة الأعمال العائلية والمشروعات الفردية، وأوضح الباحثون: نخطط لإجراء مسح يشمل عينات من مختلف القطاعات، لتحديد نسبة المشروعات التي تعتمد على العاطفة ودراسة تأثيرها على الاستدامة.
الريادة العاطفية طريقا جديدا للابتكار
في نهاية اللقاء، شدد الباحثون على أهمية الريادة العاطفية كنهج جديد يضيف أبعادا إنسانية إلى ريادة الأعمال، فبينما تركز ريادة الأعمال التقليدية على الربح، تقدم الريادة العاطفية نموذجا يظهر أن النجاح مرتبط أيضا بالشغف والابتكار العاطفي، وبهذا، تخطو الريادة العاطفية خطوة جديدة لتصبح جزءا أساسيا من المنظومة الاقتصادية، وتجمع بين الحلم والإصرار لتحقيق النجاح.
وتوجه الباحثون بالشكر الجزيل وثمنوا الدور الذي تقوم به جريدة “البلاد”، كونها منصة تتيح النشر والإعلام لما تجود به الأبحاث الأكاديمية الجديدة والمبتكرة؛ لتصل إلى عموم القراء ومختلف شرائح المجتمع.