تستحضر الذاكرة البحرينية حكاية تاجر اللؤلؤ الراحل عبدالرحمن بن أحمد الوزان، والتي تجسد مسيرته المضيئة حكاية الإنسان العصامي الذي بدأ من نقطة الصفر، وكيف استطاع أن يكون ركنًا ورمزًا في هذه التجارة، بين أطواد عظيمة أسسوا تجاراتهم الضخمة لعقود طويلة من الزمن في هذا المضمار.
في بيت العم
ولد الوزان في العام 1870م ونشأ في حي كانو، والمسمى أيضا بفريج “الفاضل” في المنامة، وبها نشأ نشأة حسنة في أسرة محافظة، وتعلم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في الكتاب (المطوع) كما هي عادة الأوائل، ورعاه عمه المرحوم إبراهيم بن عبدالعزيز الوزان بعد وفاة والده حيث كان وصيا عليه، فاعتنى بتربيته وتأديبه وتعليمه، حتى صار شابًا يافعًا، يعتمد على نفسه في أموره كلها.
دور في مختلف الميادين
أصبح الراحل الذي تزوج فيما بعد أربع مرات، الأولى وهو في السابعة عشرة من العمر، أحد أبرز تجار اللؤلؤ في عصره، وكان له دور بارز في العديد من الميادين، منها على سبيل المثال حل المنازعات والخلافات بين القبائل والأسر والأفراد وتثمين وتقسيم الأراضي، وساهم كذلك في إقراض الحكومة لتوسيع مرفأ المنامة “الفرضة” في العام 1917، إضافة إلى إقراض الحكومة لبناء مخازن للبضائع في الفرضة، وهو من أوائل المطالبين بتأسيس مصرف في البحرين العام 1918، كما نادى بضرورة وجود مدرسة للتعليم النظامي في البحرين، والتي سميت فيما بعد بالهداية الخليفية، وعين عضواً بمجلس إدارتها عام 1920.
انتخب الراحل للعمل في أول مجلس إدارة لبلدية المنامة عام 1920، أما على صعيد العمل الخيري، فقد قام الوزان بتجديد مسجد مقبرة المنامة، كما جعل من إحدى عماراته بالمنامة مقراً لمدرسة الفلاح التي أسسها التاجر المشهور محمد علي زينل عام 1929.
تحميل البضائع واللؤلؤ
كانت بداياته في التجارة بتحميل البضائع والحمولات ما بين البحرين وقطر، حيث ظل على هذا الحال لسنوات، ثم دخل في تجارة اللؤلؤ وذلك عندما شاهد الأرباح الطائلة التي تدرها على التجار آنذاك، ويذكر أنه لم يدخلها دفعة واحدة، بل أخذ أولا في تعلم أصول تجارة اللؤلؤ، وتعلم أوزانه وألوانه، وجيده ورديئة، ونتيجة لتنقلاته الكثيرة ما بين البحرين وقطر، فقد تعرف على أعداد كبيرة من تجار اللؤلؤ البحرينيين والقطريين، وبدأ في عمل جديد وهو دخوله كواسطة بينهم، يأخذ فيه نسبة من الربح، وظل على هذه الحال مدة من الزمن، ونتيجة لإخلاصه وأمانته، فقد وثق فيه العديد من التجار، وأعطوه كميات أكبر وأضخم من اللآلئ لبيعها، وبدأت نسبة أرباحه تزداد يومًا بعد يوم.
وبعد التوفيق والنجاح، تطور عمله فأشترى عدد من السفن الشراعية (الخشب) للإبحار بحثا عن اللؤلؤ، ليتوسع في بيعها فيما بعد بالهند لجني أرباح أكثر، وأثناء عودته من هنالك يجلب معه بعض البضائع، وبذلك أصبح من كبار تجار اللؤلؤ في البحرين، وممن يشار اليهم البنان في هذه الصناعة، وإضافة إلى عمله في إدارة سفن الغوص وتجارة اللؤلؤ وإدارة الأملاك، والعقارات، فقد كان مستشارًا مقربًا من حاكم البحرين آنذاك المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ثم إلى المغفور له حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، وسطر هذه السيرة الطيبة لتخلد ذكراه بعد وفاته في العام 1950.