شهد العالم في السنوات الأخيرة قفزة هائلة في الطلب على الليثيوم، المعدن الذي يُطلق عليه "الذهب الأبيض".
بفضل دوره الأساسي في تصنيع البطاريات القابلة لإعادة الشحن المستخدمة في الهواتف الذكية، والسيارات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية، أصبح الليثيوم محركًا رئيسيًا للتحول نحو مستقبل مستدام.
ويسلط هذا التحليل الاقتصادي الضوء على موضوع الليثيوم والأثر المتوقع للاستفادة منه خليجيًا من أجل نشر الوعي والمعرفة الاقتصادية، وذلك بمشاركة خبراء ومتخصصين. ويأخذ التحليل بعين الاعتبار كيف يمكن لدول الخليج أن تتحول من مستورد إلى لاعب رئيسي في سوق الليثيوم العالمي، خاصة أن وكالة الطاقة الدولية ذكرت في أحدث تقاريرها أن العالم قد يحتاج إلى مضاعفة إنتاج الليثيوم خمس مرات بحلول عام 2030 لتلبية احتياجات التحول نحو الطاقة النظيفة.
الاستكشاف السعودي
قال أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي، البروفيسور وهيب الناصر، إن الليثيوم مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والهواتف الذكية.
وأشار إلى الاكتشاف السعودي الأخير لاحتياطيات من الليثيوم في المياه المالحة من حقولها النفطية بالقرب من البحر، لافتًا إلى أن تكلفة استخراج الليثيوم من المياه المالحة في الحقول النفطية أعلى من الطريقة التقليدية للاستخراج من المسطحات المالحة الطبيعية. ومع ذلك، توجد توقعات بأن يصبح المشروع مجديًا من الناحية التجارية في وقت قريب إذا ارتفعت أسعار الليثيوم، وذلك وفقًا لما أفاد به المسؤولون عن مشروع الاستكشاف أيضًا.
توقعات إحصائية
من جانبه، قال رئيس الجمعية البحرينية للإحصاء جلال ناصر بأنّ إحصاءات البحث بحسب منصة غوغل للاتجاهات عن بطاريات الليثيوم في البحرين وبقية دول الخليج تظهر اتجاها تصاعدياً، والاتجاه هذا كان أشد قوة وتصاعدية في السعودية والإمارات وأدناه في سلطنة عمان والبحرين.
وأفاد بأنّ إحصاءات الطلب على هذا النوع من البطاريات عالمياً من المتوقع أن تنمو بمعدل 56% على الأقل وبمعدل أكثر من الضعف (142%) على الأكثر.
وواصل: هذا الطلب العالمي من المتوقع أن يستمر خصوصا مع توجه وانتهاج الدول لسياسات خضراء لتقليل الإضرار بالبيئة والتوجه نحو المركبات الكهربائية على سبيل المثال.
تحديات قانونية
تحدث المستشار القانوني المصري المقيم في سلطنة عمان، رجب قاسم، عن أن استخدام الليثيوم يثير العديد من التحديات القانونية في دول الخليج نظرًا لاستخداماته المزدوجة بين التطبيقات الصناعية المشروعة وإمكانية إساءة استخدامه في أنشطة محظورة قانونيًا.
وأوضح أن الليثيوم من الناحية الاقتصادية يمثل فرصة استثمارية ضخمة لدول الخليج التي تسعى إلى تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد على النفط. ومع ذلك، فإن هذه الفرصة تحمل مخاطر إذا لم تكن هناك تشريعات متينة تنظم تداول هذه المادة.
وأضاف: من أبرز هذه المخاطر تسرب المادة إلى السوق السوداء، حيث يمكن استخدامها في تصنيع مواد خطرة أو تهريبها عبر الحدود، مما يهدد الأمن الوطني ويؤثر على سمعة الأسواق الخليجية.
وأشار إلى أنه من الضروري أن تسارع دول الخليج إلى تطوير أطر تشريعية شاملة لتنظيم التعامل مع الليثيوم، لتشمل الجوانب التالية:
1. تراخيص محددة لاستيراد وتداول المادة، بحيث تُمنح فقط للمؤسسات المعتمدة التي تلتزم بضوابط الاستخدام.
2. إنشاء قواعد بيانات خليجية مشتركة تتيح مراقبة تدفقات الليثيوم بين دول المجلس، مع تبادل المعلومات حول أي أنشطة مشبوهة.
3. تحديد عقوبات صارمة تشمل الغرامات المالية الكبيرة والسجن لكل من يثبت تورطه في إساءة استخدام المادة.
4. تعزيز الرقابة الجمركية باستخدام التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، لرصد أي شحنات مشبوهة.
وأضاف المستشار رجب أن دول الخليج تقف أمام تحدٍ قانوني كبير يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين استغلال القيمة الاقتصادية لليثيوم وحماية المجتمع من مخاطره المحتملة. ويجب أن تكون القوانين مرنة بما يكفي لاستيعاب الاستخدامات المشروعة ولكن حازمة لمنع أي تجاوزات.
وأكد أن وضع تشريع خليجي موحد ينظم تداول المواد الكيميائية عالية الخطورة، بما في ذلك الليثيوم، يعد خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الاقتصادي والقانوني في المنطقة. كما يجب أن يتضمن هذا التشريع إجراءات تُلزم الشركات بتقديم تقارير دورية حول استخدامات المادة، لضمان الشفافية ومنع إساءة الاستخدام، وبذلك يمكن لدول الخليج أن تبني منظومة قانونية رائدة تحقق أهدافها الاقتصادية والتنموية دون المساس بأمنها القومي.
ارتفاع الطلب
يتواجد الليثيوم بشكل رئيسي في الصخور البركانية والمحلول الملحي. وتُعتبر تشيلي، أستراليا، والصين من أكبر الدول المنتجة له.
ووفقًا لتقارير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ارتفع الإنتاج العالمي لليثيوم من 28,100 طن في عام 2010 إلى 100,000 طن، مع توقعات بزيادة الطلب بشكل كبير حتى عام 2030.
رغم أن دول الخليج ليست منتجة رئيسية لليثيوم، إلا أن قربها من الأسواق الكبرى، مثل أوروبا وآسيا، يتيح لها فرصة فريدة بأن تصبح مركزًا لصناعة البطاريات وإعادة تدويرها.
وخطت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات كبيرة نحو استخدام الليثيوم في تقنيات الطاقة المتجددة. ففي مدينة خليفة الصناعية بأبوظبي، أُنشئت منشأة صناعية لإنتاج الليثيوم، وهي الأولى من نوعها في المنطقة.
ورغم فوائده، فإن استخراج الليثيوم يثير جدلاً بيئيًا. ففي تشيلي، يتم استخراج الليثيوم من المحلول الملحي باستخدام كميات ضخمة من المياه، مما يؤثر على النظم البيئية المحلية. التحدي الأكبر يكمن في تحقيق التوازن بين زيادة الإنتاج وحماية البيئة. وهناك جهود دولية لتطوير تقنيات استخراج أكثر استدامة، مثل استخراج الليثيوم من مياه البحر، وهذه التقنية قد تكون حلاً مستقبليًا لتقليل التأثير البيئي.
وتعمل دول مثل الصين والولايات المتحدة على تأمين إمدادات الليثيوم عبر صفقات تجارية واستثمارات مباشرة في المناجم، في حين يركز الاتحاد الأوروبي على إعادة تدوير البطاريات كمصدر بديل لهذا المعدن الحيوي.
ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يصل الطلب العالمي على الليثيوم إلى 2 مليون طن بحلول عام 2030، ويأتي جزء كبير من هذا الطلب من صناعة السيارات الكهربائية.