التطبيقات الصينية جذابة للأميركان في 13 يناير 2025، توافد عدد كبير من المستخدمين الأميركيين الذين يطلقون على أنفسهم “لاجئو تيك توك” على تطبيق التواصل الاجتماعي الصيني “شياوهونغشو” (REDnote)، حيث انضم أكثر من 700 ألف مستخدم جديد في غضون يومين فقط إلى “شياوهونغشو”. وفي 14 يناير، وصل “شياوهونغشو” إلى المرتبة الأولى على قائمة تطبيقات التواصل الاجتماعي في متجر التطبيقات في الولايات المتحدة. ويعرض هؤلاء مستخدمو الإنترنت الأميركيون حيواناتهم الأليفة ومواهبهم وحياتهم اليومية على “شياوهونغشو”، ويعبرون عن مودتهم تجاه مستخدمي الإنترنت الصينيين وشغفهم بالثقافة الصينية. حيث قال العديد من المستخدمين الأميركيين بصراحة إنهم جاءوا إلى “شياوهونغشو” للاحتجاج على القرار الأميركي بحظر تيك توك، وللتعرف على الأصدقاء الصينيين. وقد استجاب مستخدمو الإنترنت الصينيون بحماس، إذ عرّفوا بالأطعمة الصينية المتنوعة والمناظر الخلابة، آملين في معرفة المزيد عن بعضهم البعض ونقل النوايا الحسنة. وهناك العديد من أوجه التشابه بين “شياوهونغشو” و”تيك توك”، حيث تشكل مقاطع الفيديو القصيرة والبث المباشر والنص والصور أشكالًا رئيسية للتواصل. وعلى صعيد محتوى التواصل، يركز التطبيقان على مشاركة مشاهد الحياة اليومية والتوصية بالأشياء الجيدة بحيث يغطيان كل مناحي الحياة مثل الموضة والجمال والسفر والطعام والأفلام والمسلسلات التلفزيونية وغيرها. علاوة على ذلك، يسمح “شياوهونغشو” للمستخدمين بالتسجيل باستخدام أرقام الهواتف المحمولة من مختلف البلدان، الأمر الذي يوفر تسهيلات كبيرة للمستخدمين. على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للمستخدمين الحصول على المعلومات بسرعة والمشاركة في الأنشطة التفاعلية. ومن المزايا المهمة أن المستخدمين يوصون للآخرين بأشياء مفيدة وأكلات لذيذة ومناظر جميلة من خلال مقاطع الفيديو القصيرة أو البث المباشر أو النص والصور، مما أدى إلى ظهور مشهد اقتصادي جديد وهو الاقتصاد الاجتماعي الرقمي. التطور الهائل للاقتصاد الاجتماعي الرقمي أفرزت نهضة الاقتصاد الاجتماعي الرقمي، وهو أحد فروع الاقتصاد الرقمي، القيمة التجارية لوسائل التواصل الاجتماعي. إذ تعتمد هذه الاقتصاديات على المنصات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى المعاملات والترويج واستهلاك السلع والخدمات من خلال التفاعل الاجتماعي عبر الإنترنت، بما يبني جسرًا بين السلوك الاجتماعي والسلوك الاقتصادي، ما يجعل الأمرين يعززان بعضهما البعض، ويشكل نموذجًا جديدًا للاندماج المتعمق بين العلاقات الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية في العالم الافتراضي. يعد اقتصاد البث المباشر شكلًا رئيسًا للاقتصاد الاجتماعي الرقمي، حيث تشمل نماذج تحقيق الربح بيع البضائع أثناء البث المباشر، وتقديم المكافآت والإعلانات. وبفضل تطبيقات التواصل الاجتماعي، يتجاوز اقتصاد البث المباشر قيود الزمان والمكان، مما يتيح للبائع والمشتري تكوين علاقة تفاعلية وثيقة. على سبيل المثال، تقوم شركات التجارة الإلكترونية بالترويج للمنتجات الزراعية وبيعها من المناطق الريفية النائية إلى كل أرجاء البلاد وحتى العالم بأسره من خلال البث المباشر. باختصار، يحقق البث المباشر أرباحًا من خلال جذب انتباه الجمهور وتحويله إلى القوة الشرائية. يزدهر اقتصاد البث المباشر في الصين في السنوات الأخيرة، حيث تجاوز عدد مستخدمي البث المباشر في الصين 800 مليون مستخدم لأول مرة عام 2023 بزيادة سنوية قدرها 8.66 %، وبلغ حجم سوق البث المباشر في الصين ما يعادل 28.6 مليار دولار في العام نفسه، بزيادة قدرها 5.15 % عن عام 2022. وتمثل التجارة الإلكترونية المباشرة الأسرع تطورًا، حيث بلغ عدد مستخدمي البث المباشر للتجارة الإلكترونية عام 2023 نحو 600 مليون مستخدم، بمعدل استخدام 54.7 %. كما أن البث المباشر للألعاب الإلكترونية هو الآخر عنصر مهم في اقتصاد البث المباشر، إذ وصل عدد مستخدمي البث المباشر للألعاب عام 2023 إلى 300 مليون مستخدم، بمعدل استخدام 27.2 %. وبلغ حجم مستخدمي البث المباشر للرياضة في العامين الماضيين أكثر من 300 مليون مستخدم، مما يبين الإمكانات الهائلة لاقتصاد البث المباشر في الرياضة. ويشمل اقتصاديات البث المباشر اقتصاديات مشاهير الإنترنت. وبفضل تأثير المشاهير، يمكن للشركات تقليص تكاليف التسويق، بينما يمكن للمستهلكين أن يثقوا بسهولة في السلع والخدمات، مما يشكل درجة معينة من الارتباط بالمستهلكين. وتشير التقديرات إلى أن اقتصاد مشاهير الإنترنت في الصين سيصل إلى 177 مليار دولار أميركي عام 2022، و218 مليار دولار أميركي عام 2023، أي بنمو سنوي قدره 23.8 %. يعد Douyin (النسخة المحلية الصينية لـ TikTok) وREDnote منصتين رئيسيتين للاقتصاد الاجتماعي الرقمي في الصين. في الفترة من يناير إلى ديسمبر 2024، قاد أكثر من مليوني شركة صغيرة ومتوسطة نمو الأعمال التجارية من خلال البث المباشر على Douyin، وقرابة 190 ألف شركة صغيرة ومتوسطة حققت مبيعات بمئات الآلاف من الدولارات من خلال البث المباشر على Douyin. في شياو هونغشو، بلغ إجمالي قيمة صفقات البضائع التي أبرمتها الفنانة دونغ جيي في مرة واحدة من البث المباشر ما يعادل 4 ملايين دولار أميركي، وتجاوز عدد المشاهدين 2.2 مليون. وقد سهّل الاقتصاد الاجتماعي الرقمي على الشركات الصغيرة والمتوسطة توسيع أسواقها وترويج منتجاتها، بحيث يمكن للمستهلكين جمع المعلومات والتسوق، فضلًا عن توسيع طرق ريادة الأعمال والتوظيف ودفع عجلة التنمية الاقتصادية. غير أن هناك مخاطر ومشاكل ناجمة عن الاقتصاد الاجتماعي الرقمي مثل تسرب البيانات، الحواجز التقنية، وشرنقة المعلومات... إلخ. الموقف الأميركي المتقلب تجاه تيك توك في أبريل 2024، أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قرار ينص على أن تقوم شركة ByteDance الصينية (الشركة الأم لتيك توك) بتصفية وبيع أعمالها في تيك توك قبل 19 يناير 2025، وألا تتجاوز حصتها في الشركة 20 %، وإلا فسيتم حظره في الولايات المتحدة، وهو ما شكل خلفية لتوافد عدد كبير من “لاجئي تيك توك” على REDnote. تم بالفعل حظر تيك توك في 19 يناير بناء على قرار المحكمة العليا، رغم أن إدارة بايدن قررت عدم حظره في آخر لحظة. بعد تولي ترامب الرئاسة، أنقذ تيك توك بإصدار الأمر التنفيذي، وكان ترامب بصدد إصدار أمر تنفيذي بتعليق حظر تيك توك لمدة 60 إلى 90 يومًا بعد توليه منصبه لإيجاد حل بديل، بحيث تتحول تيك توك إلى شركة أجنبية – أميركية مشتركة، حيث تمتلك الشركة الأميركية 50 % من أسهم الشركة المشتركة. سيتم ذلك من خلال المفاوضات بين الأطراف المعنية خلال فترة المهلة. بناء على ذلك، استأنفت خدمات تيك توك في اليوم نفسه بعد تعطيل دام 19 ساعة فقط. إن حظر تيك توك هو نتاج إضفاء “الطابع الأمني” على العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة، إذ يعتقد بعض المشرعين والسياسيين الأميركيين أن تيك توك يشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي بذريعة توفير بيانات المستخدمين الأميركيين للحكومة الصينية، ومن خلال تأثير الميول الأيديولوجية على الشباب الأميركي. ومع ذلك، فإن تعطيل تيك توك سيؤدي إلى خسائر اقتصادية واضطراب في سوق العمل في الولايات المتحدة. فتيك توك لديها أكثر من 100 مليون مستخدم نشط في الولايات المتحدة وتدعم عددًا كبيرًا من الشركات الصغيرة والمتوسطة ووكالات الدعاية والمبدعين الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، توظف TikTok عددًا كبيرًا من العاملين في الولايات المتحدة، ومن شأن الحظر أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية متعددة. من ناحية أخرى، هناك اعتبارات كثيرة للتنافس على السلطة والهيمنة والاحتكار، ومخاوف تتعلق بما يسمى “الأمن القومي”. ومن ناحية أخرى، تعود تيك توك بفوائد مالية وتكنولوجية هائلة على الولايات المتحدة. فقد أصبحت قضية تيك توك على محك الحكمة والسياسة الأميركية. ومن أجل حماية مصالح المستخدم العادي، وتطور تكنولوجيا الإنترنت في الولايات المتحدة، يتعين على إدارة ترامب والسياسيين الأميركيين النظر إلى القضية بموضوعية وإنصاف بعيدًا عن التسييس والشيطنة وتشويش الصورة، واتخاذ قرار مصيري حكيم سعيًا لإيجاد حل توفيقي يحمي مصالح الدول والشركات المعنية والمستخدمين العاديين على حد السواء.