كانت تجربتي الأولى على متن طائرة عسكرية مدهشة بكل تفاصيلها، ولم أستطع التوقف عن الشعور بالحماسة. قبل أن نصعد، بدأ الطاقم بتوزيع المعدات اللازمة. أُعطينا أحزمة الأمان لتثبيتنا في أماكننا، ثم وضعنا خوذات الرأس الثقيلة التي أحاطت برؤوسنا بشكل محكم، وكان مدمجًا فيها سماعات كبيرة تهدف إلى تقليل الضوضاء المزعجة الناجمة عن محركات الطائرة الضخمة. كما زودونا بنظارات واقية لحماية أعيننا من الوهج الشديد. لم يكن لدينا خيار سوى ارتداء هذه المعدات، وكان كل شيء يبدو كأجواء تحضير لمهمة عسكرية مهمة. عندما بدأت الطائرة في الارتفاع، كان صوت المحركات يملأ المكان بشكل مزعج للغاية، لكن بفضل السماعات التي كانت جزءًا من الخوذة، تمكنا من تقليل هذا الصوت إلى حد كبير، ومع ذلك، ظل الصوت موجودًا في الخلفية، مما جعل التواصل بيننا صعبًا. لهذا السبب، اعتمدنا على هواتفنا المحمولة للتواصل، حيث كنا نكتب لبعضنا البعض لنتبادل الأفكار والملاحظات حول ما نراه في السماء أدناه. الكتابة على الهواتف كانت وسيلة رائعة لتجاوز الضوضاء المتواصلة ولتبقى أيدينا مشغولة بشيء آخر بينما نعيش هذه التجربة الفريدة. السماء من حولنا كانت تبدو وكأنها لوحة فنية، حيث تناثرت السحب البيضاء الكثيفة في الأفق، والجو البارد الذي كان يلامس وجوهنا من خلال النوافذ زاد من جمال المنظر. تحتنا، كان البحر الواسع يمتد إلى ما لا نهاية، عاكسًا ضوء الشمس في مشهد يخطف الأنفاس. كانت الفرقاطات البحرية تبحر بهدوء، منسجمة مع باقي القوات في تنسيق عسكري لا يُصدَّق، وكانت كل لحظة تمر تحمل معنى جديدًا لهذا التعاون الدولي الفريد. ورغم أننا كنا معزولين عن محيطنا بسبب الضوضاء العالية، كانت الكتابة على هواتفنا هي وسيلتنا للتواصل، وهي الطريقة الوحيدة التي مكنتني من مشاركة هذه التجربة الفريدة مع الزملاء. ومع استمرار الطائرة في عبورها فوق مياه الخليج العربي، كانت الأجواء تجمع بين مشاعر السكون والدهشة في كل لحظة، في مزيج مثالي بين ضوضاء الطائرة وجمال المناظر الطبيعية التي لا توصف. في إحدى اللحظات، تحدثت الملازم كاثرين سيرانو، نائب ضابط الشؤون العامة في البحرية الأميركية، إلى طاقم الصحفيين على متن الطائرة، وأكدت أن التمرين المشترك قد بدأ في البحرين، وهو يتزامن مع تمارين مماثلة في مناطق أخرى مثل الأردن وأفريقيا. يشارك في هذا التمرين أكثر من 45 دولة، بالإضافة إلى العديد من السفن والطائرات البحرية، فيما ستُنفذ تدريبات بحرية مهمة في البحرين. وأشارت سيرانو إلى أن التعاون بين الدول المشاركة يعد عنصرًا أساسيًا لتحقيق النجاح في مواجهة التحديات المختلفة، ولفتت إلى دور البحرين في استضافة هذا التمرين، ما يعكس قوة العلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة في مختلف المجالات، خصوصًا المجال العسكري. وأضافت أن مملكة البحرين تسعى دائمًا لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، في إطار اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل، بما يخدم المصالح المشتركة ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام العادل في منطقة الشرق الأوسط والعالم. وأوضحت أن الهدف الأساسي من هذا التمرين هو تبادل الخبرات والمعلومات في مجال حماية الملاحة البحرية، والتأكد من سلامة جميع البحار والممرات المائية في المنطقة، لضمان استمرارية التوريد والتصدير، حيث تُعد هذه المنطقة نقطة محورية في حركة التجارة العالمية. كما شددت على أن الحفاظ على سلامة هذه الممرات المائية يعد مسؤولية جماعية لجميع الدول المشاركة، حيث أن توفير بيئة آمنة للملاحة يعزز من الفرص الاقتصادية. كما أكدت سيرانو أن البحرين كانت شريكًا أساسيًا في دمج الأنظمة غير المأهولة والتكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، في إطار تعاونها مع البحرية الأمريكية. كما تواصل البحرين التزامها ببناء أسطول متعدد الجنسيات يتضمن مئة سفينة غير مأهولة، وقد وصل عدد هذه السفن إلى 59 حتى سبتمبر 2021. واختتمت بالحديث عن التمرين الذي يستمر لمدة 12 يومًا، ويشمل مناطق واسعة من الخليج العربي وبحر العرب وخليج عمان والبحر الأحمر وشمال المحيط الهندي. هذا التمرين يرتبط أيضًا بنسخة من تمرين “كاتلاس إكسبريس” الذي تُنفذه القوات البحرية الأمريكية في كل من أوروبا وأفريقيا، ويهدف إلى تعزيز التنسيق بين الدول الشريكة في مواجهة التهديدات البحرية وتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وباقي الدول المعنية. وأخيرًا، أشارت سيرانو إلى أن منطقة الأسطول الخامس الأميركي تغطي حوالي 2.5 مليون ميل بحري، وتشمل الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي، بالإضافة إلى ممرات مائية حيوية مثل مضيق هرمز، وقناة السويس، وباب المندب.