مصطلح الأمن الغذائي يعني حصول جميع الأفراد في كل الأوقات على أغذية كافية وآمنة ومغذية
ثمة عوامل عدة تؤثر على الأمن الغذائي منها الطبيعية والاقتصادية والسياسية
يشير مصطلح الأمن الغذائي إلى حصول جميع الأفراد في كل الأوقات على أغذية كافية وآمنة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم لضمان حياة صحية. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، يتضمن الأمن الغذائي أربعة أبعاد أساسية: استقرار الإمدادات، والقدرة على الوصول، وكفاءة الاستخدام، ومرونة النظام، حيث لا يتحقق الأمن الغذائي إلا باستيفاء هذه الشروط معًا.
لا تزال الأوضاع العالمية للأمن الغذائي حرجة، وفق تقرير “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2024”، إذ ظلت مستويات الجوع العالمية مرتفعة للعام الثالث على التوالي، حيث تراجعت معدلات نقص الغذاء إلى مستويات تعادل الفترة بين 2008-2009. في 2023، عانى حوالي 733 مليون شخص من الجوع، أي ما يعادل شخصًا واحدًا من كل 11 شخصًا عالميًّا، بزيادة 152 مليون شخص مقارنة بعام 2019.
من ناحية التوزيع الجغرافي، سجلت أفريقيا أعلى نسبة جوع بنسبة 20.4 % (واحد من كل خمسة أفراد)، بينما تضم آسيا أكبر عدد من الجوعى (أكثر من نصف المجموع العالمي) بنسبة 8.1 %. في أمريكا اللاتينية، انخفضت النسبة إلى 6.2 %، لكن الوضع لا يزال مقلقًا. وحددت الأمم المتحدة 22 دولة ومنطقة كـ”بؤر ساخنة للجوع”، من بينها فلسطين والسودان وجنوب السودان وهايتي ومالي التي تواجه وضعًا إنسانيا كارثيًّا.
عوامل متشابكة تؤثر على الأمن الغذائي
ثمة عوامل عدة تؤثر على الأمن الغذائي. أولًا، عوامل طبيعية: تزايد الكوارث المناخية مثل الجفاف والفيضانات التي أثرت على إنتاج الغذاء وأدت إلى انزلاق 72 مليون شخص نحو انعدام الأمن الغذائي عام 2023. ثانيًا، عوامل سياسية: تؤثر النزاعات سلبًا على الأمن الغذائي، على سبيل مثال، الأزمة الأوكرانية التي عطلت سلاسل الإمداد، والنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي دفع 95 % من سكان غزة إلى انعدام الأمن الغذائي. ثالثًا، عوامل اقتصادية: تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع الديون في الدول النامية وتقلبات الأسواق. رابعًا، عوامل تكنولوجية: ضعف تبني التقنيات الزراعية الحديثة في تخزين ونقل المحاصيل. خامسًا، تفاوتات هيكلية: تعاني الدول النامية من عوائق تجارية غير متكافئة في تصدير منتجاتها الزراعية بسبب معايير تقنية وضغوطات سياسية.
في المنطقة العربية، يواجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 في الأمن الغذائي تحديات جسام. في 2023، عانى 66.1 مليون عربي (14 % من السكان) من الجوع، بينما يواجه 186.5 مليون (39.4 %) انعدامًا غذائيًّا متوسطًا أو حادًّا، بزيادة 1.1 % عن العام السابق، إذ تفاقم الوضع بسبب النزاعات الممتدة وارتفاع أسعار الغذاء، حيث بلغت نسبة نقص التغذية في الدول المتأثرة بالصراعات 26.4 %، أي أربعة أضعاف المناطق غير المتضررة (6.6 %).
الصين قوة فاعلة في تعزيز الأمن الغذائي العالمي
تُعد الصين أكبر منتج زراعي عالميًّا، حيث تُنتج 25 % من الغذاء العالمي على 9 % من الأراضي الصالحة للزراعة، لسد احتياجات 20 % من سكان العالم. وتتبنى استراتيجية وطنية تعتمد على الاكتفاء الذاتي عبر تعزيز الإنتاج والتخزين، بما في ذلك سن قانون ضمان الأمن الغذائي عام 2024، ودمج التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والزراعة منخفضة الكربون في عمليات الإنتاج. في 2024، بلغ الإنتاج الصيني من الحبوب 700 مليون طن، مع تحقيق الاكتفاء الذاتي بمعدل يفوق 99 % للقمح والأرز والذرة.
وتدعم الصين التعاون الدولي متعدد الأطراف في مجال الغذاء عبر تقديم مساعدات غذائية لأكثر من 30 دولة مثل زيمبابوي والصومال بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، حيث قامت بتنفيذ أكثر من 1000 مشروع نقل تكنولوجي زراعي، وتدريب أكثر من 14 ألف فني في زراعة الأرز الهجين عبر شراكات مع نحو 140 دولة.
آفاق التعاون الصيني-العربي في الزراعة
تمتلك المنطقة العربية إمكانات هائلة لزيادة إنتاج القمح، حيث يبلغ المتوسط الحالي 2.5 طن/هكتار، مقارنة بـ 6 طن في مصر والسعودية، عبر تحسين الري وتطوير البذور ومكافحة الآفات. وأحرز التعاون الصيني-العربي في مجال الزراعة إنجازات حافلة، على سبيل المثال لا الحصر: صدرت مصر 72 مليون دولار من البرتقال إلى الصين عام 2021. ونجحت الصين في استصلاح مناطق صحراوية في البلدان العربية لتتحول إلى أراضٍ زراعية عبر تطبيق تقنيات الزراعة الجافة والقاحلة. وأطلقت الصين مبادرة “العمل المشترك لضمان الأمن الغذائي” في قمة الصينية العربية الأولى عام 2022، حيث تشمل إنشاء 5 مختبرات زراعية مشتركة و50 منطقة تعاون تكنولوجي وابتعاث 500 فني وخبير.
وتتكامل الخطة الصينية لتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة العربية مع مبادرات صينية أخرى مثل “مركز الصيني-العربي لأبحاث الجفاف والتصحر” واستخدام الأقمار الصناعية الصينية للإنذار المبكر بالكوارث. كما فتحت الصين أسواقها أمام المنتجات الزراعية العربية عبر منح إعفاءات جمركية بنسبة 98 % للدول العربية الأقل نموًا، مما يعزز تصدير المنتجات عالية القيمة مثل الحمضيات وتمكين الدول العربية من استيراد الحبوب الأساسية.
ختامًا، يرسي التعاون متعدد الأطراف والاستثمار في الابتكارات الزراعية ونظم غذائية مرنة أسسًا متينة لمواجهة التحديات العالمية في مجال الأمن الغذائي. ومن خلال التعاون في إطار الجنوب العالمي، ستواصل الصين لعب دور محوري في تعزيز الأمن الغذائي للعالم النامي عامة والمنطقة العربية خاصة.