في ظل التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة الإسلامية، تبرز الحاجة الملحة لتعزيز الوحدة والتفاهم بين المسلمين بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم، وفي هذا الإطار يأتي مؤتمر “أمة واحدة.. ومصير مشترك” الذي انعقد في العاصمة البحرينية المنامة، تحت رعاية سامية من ملك البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ليكون نقطة تحول مهمة نحو ترسيخ مفاهيم الحوار والتعاون بين الأمة الإسلامية. وفي هذا الصدد قال عضو مجلس خبراء القيادة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الشيخ د. أحمد مبلغي، إن مؤتمر الحوار الإسلامي “أمة واحدة .. ومصير مشترك”، الذي عقد في مملكة البحرين تحت رعاية سامية من لدن صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، خرج بـ 16 توصية وبيان “نداء أهل القبلة” المشترك، وجاء ذلك في توقيت خاص وحساس لمعالجة المنعطف التاريخي الذي تمر فيه الأمة الإسلامية حاليا، وذلك عبر التفاهم من أجل تقوية روابط المسلمين التي تحتاج إلى أرضية مؤاتية للتحولات، بدءا من عملية الإصلاح الاجتماعي على أسس ومبادئ القرآن الكريم، إذ ركز القرآن على العلاقات الاجتماعية والأخوية، والاحترام والنصح كمشروع إسلامي للتعاون والوحدة التي تقوم على الترابط والرحمة ورص الصفوف من أجل التقدم وبناء المستقبل وفق العقل ومبادئ آيات القرآن. الحوار بالعقل وذكر آية الله مبلغي في حوار خاص مع “البلاد”، أن التقدم والازدهار والأمن والرخاء يتحقق عبر الحوار بالعقل، بعيدا عن العداء والعناد تجاه أي طرف إنساني. لذا شدد الفقه والشرع الإسلامي على عدم التفرقة وعدم الاختلاف الحاد بين طوائف المسلمين، والمؤتمر هو عبارة عن عملية إصلاح للأمة الإسلامية. أما الخلافات والاختلافات، فهي عبارة عن “سم ضار” في شرايين المجتمعات.  وأضاف: شخصيا، وجدت أن الحوار “الإسلامي - الإسلامي” ما هو إلا فرصة لفهم المفاهيم الإسلامية وإنهاء الاختلافات الاجتماعية. عملية إصلاحية وأكد مبلغي أن توصيات المؤتمر هي عملية إصلاحية تحتاج إلى متابعة وجلسات أخرى في دول عدة مستقبلا؛ من أجل نبذ الخلافات المضرة بالمسلمين، داعيا في الوقت ذاته المشاركين والمتابعين لجلسات وأوراق عمل المؤتمر، إلى فهم المحتوى المرجو وهو “الإصلاح الاجتماعي” عبر بلورة الرؤى والأفكار بوضع حجر أساس وميثاق للتعاون يؤدي إلى الوحدة الإسلامية، كما أن متابعة نتائج المؤتمر تحتاج إلى تكرار التواصل بين العلماء ورجال الدين، ومتابعة من قبل الإعلاميين أو طلبة الجامعات لمتابعة “عملية الإصلاح الاجتماعي” حتى يتم تطبيق الأهداف المرجوة على أرض الواقع، مشيرا إلى أن الوحدة الإسلامية تأتي عبر احترام الهويات الإسلامية. هويات إسلامية وفي سياق ذي صلة، قال آية الله مبلغي، إن الهويات الإسلامية التي تواجه العديد من المخاطر، لديها الكثير من المشتركات والأحاسيس، ولا يمكن فصلها عن التكتلات أو المذاهب الإسلامية، معتقدا بأن الهويات الإسلامية تحتاج اليوم إلى مزيد من التنمية من أجل العيش المشترك تحت رايات الهويات الوطنية والأممية الكبرى.  ولفت إلى أن الهوية الإسلامية المشتركة تحتاج اليوم إلى عمليات إصلاحية من قبل الرموز الإسلامية بهدف تقوية الروابط والآداب المشتركة، عبر عمل المؤسسات الأممية التي يمكنها أن تحافظ على وحدة الأمم عبر الجلوس على طاولة الحوار، موضحا أن الأمة الإسلامية لديها ذاكرتان: الأولى ذاكرة عامة، والثانية ذاكرة خاصة بالمذاهب. وما يحتاج إليه المجمع الإسلامي هو تقوية الذاكرة الإيجابية عبر عمل المتخصصين والباحثين لبث الرؤى التي تساهم في تقوية الهوية الإسلامية. التواصل الاجتماعي وردا على سؤال “البلاد” بشأن دور المنصات الرقمية ووسائل التواصل الإلكتروني في التقريب بين المذاهب الإسلامية، قال مبلغي: إن وسائل التواصل الاجتماعي في الفضاء الإلكتروني تشهد نموا ملحوظا مع تطور التكنولوجيا الرقمية، إلا أن الوعي الاجتماعي له دور إيجابي في التواصل مع الآخرين. وبإمكان العقلاء وقف العداء أو الانقسام الطائفي عبر الصدق الاجتماعي تجاه الآخرين.  وأضاف مبلغي: إن المنصات الرقمية ليست مقلقة أو مخيفة بالنسبة إلى الأمة الإسلامية؛ لأنها ساهمت في تنمية التواصل الإنساني بشكل إيجابي واجتماعي. ولكن الجميع معرض للابتلاء. أما الصدق والإصلاح والوعي الاجتماعي فهو الطريق الذي يمكن عبره تجاوز الإشكالات والسلبيات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية الفرق بين الواقع الذي يعيشه الفرد وما يُطرح في المنصات الرقمية. وأكد أن الصدق يجلب الصدق لتحقيق أرضية للتفاهم، كما أمر القرآن الكريم بذلك. ومن جانب آخر، علق مبلغي على سؤال “البلاد” بشأن الآراء التي تدعو إلى العلمانية بغية حل الخلافات الإنسانية، قائلا: إن المؤتمر الإسلامي الذي عقد في المنامة جاء بنية صادقة لإنهاء العزلة وحل مشكلات الأمة، أما “العلمانية” فليست أمرا إسلاميا وتريد أن تخرج دور الدين من بناء المجتمعات، إذ إن الدين الإسلامي جامع موحد للمسلمين، والفطرة الدينية بطبيعتها تدعو للوحدة، عكس العلمانية التي تريد فصل الفطرة عن الدين. كلمة أخيرة وفي ختام الحوار، دعا مبلغي إلى حث الشباب على الاهتمام بالعلم والتعليم وتنمية العقل من أجل امتلاك رؤية للمستقبل لبناء المجتمعات والأمم والأوطان، إلى جانب فهم التراث الإسلامي حتى لا يكون الشبان عرضة للرياح الخطرة.