أعلن قصر الإليزيه عن خطاب مفاجئ للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الأربعاء، مشيراً إلى أنه سيخاطب الفرنسيين "في هذه اللحظة من عدم اليقين الكبير، التي يواجه العالم فيها التحديات الكبرى". يأتي الخطاب عشية انعقاد المجلس الأوروبي، الخميس، في بركسل، والذي يعد حاسماً لمستقبل أوكرانيا بعد وقف واشنطن المساعدات المقدمة لكييف. ومن المتوقع أن يتحدث ماكرون عن قضايا عديدة تتعلق بالحرب في أوكرانيا وتحديد بعض الخطوات استعداداً للمرحلة المقبلة ولسيناريوهات عديدة. المساعدات لأوكرانيا والهدنة بحسب تسريبات صحافية، ستكون المساعدات لأوكرانيا على رأس المواضيع التي سيتحدث عنها ماكرون، إذ من المتوقع أن يعلن الرئيس الفرنسي عن حزمة جديدة من المساعدات المالية لدعم القتال في أوكرانيا، وهي خطوة قد تأتي بشكل متزامن بين باريس وبرلين. كما أنه سيبحث هذه المسألة مع الزعماء الأوروبيين الذين سيلتقيهم في بروكسل، الخميس، بهدف تعويض ما سيحدثه تجميد المساعدات الأميركية. وكان رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا بايرو قد تطرق إلى هذه المسألة خلال كلمة له أمام مجلس النواب الفرنسي في جلسة خصصت لنقاش أمن فرنسا وأوروبا. وقال إن تعويض المساعدات الأميركية التي علقت، هو واجب على الدول الأوروبية محذراً من أنه "إذا انهار السد الأوكراني بسبب عجزنا، فلا شك أن بلدان اتحادنا هي التي ستجد نفسها مستهدفة". كما أكد أنه في مواجهة الوضع الحالي، فإن "الأمر متروك لنا نحن الأوروبيين لضمان أمن ودفاع أوروبا" وأن فرنسا "يمكن أن تلعب دوراً محورياً في بناء هذا العالم الجديد، وهذا التوازن الجديد". خطة مشتركة أما مسألة الهدنة في أوكرانيا فستكون، وفق التسريبات، جزءاً من خطاب ماكرون، خصوصاً وأنه قدم مقترحاً لخطة مشتركة مع بريطانيا خلال القمة غير الرسمية التي انعقدت في لندن الأحد الماضي، تتضمن "وقفاً للقتال في الجو، وفي البحر، وفي البنى التحتية للطاقة" لمدة شهر. لكن هذه الخطة لا تزال تواجه مخاوف بريطانية، حيث إنها لن تشمل وقف القتال على الجبهات، وهو ما تقول بريطانيا إنه "سيسمح للقوات الروسية بإعادة تشكيل نفسها، وإعادة تسليحها، وإعادة تجميعها، وشن هجوم جديد" عند انتهاء الهدنة. قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية الرئيس الفرنسي كان قد أثار خلال لقائه مع ترامب في البيت الأبيض مسألة نشر قوات أوروبية في حال التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، لكنه فشل في الحصول على ضمانات من الرئيس الأميركي لضمان سلامة الجنود الأوروبيين، برغم أن ترامب أظهر موافقة ضمنية على نشر هذه القوات. في هذا السياق، سيكون الرئيس الفرنسي مضطراً لتوضيح مسألة نشر جنود أوروبيين في أوكرانيا، خصوصاً وأن الفكرة تثير قلقاً في فرنسا، فضلاً عن أسئلة كثيرة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. فبعض شركاء باريس الأوروبيين مثل إسبانيا، يرفضون هذه الفكرة. وتطرح أسئلة كثيرة حول هذه الخطة، أولها أن المخاطر التي تواجه هذه القوات كبيرة جداً، حيث يُطرح تساؤل حول قيادة أي مجموعات عسكرية أوروبية قد ترسل إلى أوكرانيا، واحتمال نشوب احتكاك مع القوات الروسية وهو ما يضع العالم على حافة حرب عالمية ثالثة خصوصاً وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرفض بشكل قاطع هذه المسألة، بالإضافة إلى أن موسكو هددت مراراً باستهداف أي قوات أوروبية تدخل إلى الأراضي الأوكرانية. مشاركة النووي الفرنسي من بين الموضوعات الملحة التي من المفترض أن يتطرق إليها ماكرون في خطابه الموجه إلى الفرنسيين، مسألة توسيع نطاق الردع النووي الفرنسي ليشمل الدول الأوروبية، وهذا يعني أن باريس ستشارك هذا السلاح مع الدول الأخرى عندما تحتاج إليه. لكن تبقى هذه المسألة قضية أمن قومي في فرنسا، ويتعين على الرئيس إقناع الفرنسيين بمدى جدوى هذه الخطوة، بالإضافة إلى الأحزاب التي تعارض أن يعطى الزر النووي الفرنسي إلى دول أخرى وخصوصاً حزبي التجمع الوطني وفرنسا العصية وجزء من اليمين التقليدي. وبينما أعلن ماكرون أنه مستعد لإجراء حوار استراتيجي مع الدول الأوروبية التي لا تمتلك أسلحة نووية من أجل إعطائها ضمانات إذا ما قررت التوقف عن الاعتماد على الردع الأميركي، حظيت هذه الفكرة بترحيب ألماني واسع النطاق، حيث تعتبر ألمانيا واحدة من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد على علاقاتها مع الولايات المتحدة في مسائل الأمن والردع، ولطالما كان موضوع المظلة الأميركية محور نقاشات بعد أي مقترح فرنسي حول مسألة تأسيس ردع عسكري أوروبي موحد لتقليل الاعتماد على واشنطن، وهو ما قد يشهد تحولاً مع المستشار الألماني الجديد المحافظ فريدريش ميرتس، حيث تنظر باريس بعين من التفاؤل إلى ما قد يفعله من أجل أن يسهم في تعزيز الاعتماد على أوروبا في استراتيجية برلين الدفاعية بعد سنوات من التحفظ.