في خطوة فارقة ومهمة، دشنت مملكة البحرين حديثا البرنامج الوطني للتبرع وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية “ومن أحياها”، وهو برنامج يتيح الفرصة لكل فرد من المواطنين والمقيمين في مملكة البحرين ممن بلغوا عمر 21 عاما فما فوق للتعبير عن رغبتهم في التبرع بالأعضاء سواء خلال حياتهم أو بعد وفاتهم. وقد أسس هذا المشروع الوطني لغايات مجتمعية نبيلة بالشراكة مع مختلف الجهات ذات العلاقة، لتنظيم عملية نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، عبر آليات وضوابط قانونية محددة، تضمن سلامة جميع الأطراف في كافة مراحل عملية التبرع بالأعضاء. وتعكس هذه الخطوة حرص المملكة على تعزيز قيم التكافل الاجتماعي والمسؤولية الإنسانية، إذ يكمن الهدف الأساس للتبرع في إنقاذ حياة الأشخاص الذين يعانون من أمراض خطيرة أو حالات صحية يتعذر شفاؤها بشكل تام، حيث يمكن أن تؤدي عملية التبرع دورا حاسما في تحسين جودة حياة الحاصلين على عضو جديد، وتقليل فترات الانتظار لحصولهم على الأعضاء من المتبرعين المتوفين، الأمر الذي سيسهم بشكل مباشر في تقليل الوفيات الناجمة عن فشل أحد أعضاء الجسم، وبالتالي تعزيز مفهوم التضامن الإنساني النبيل بين الأفراد والمجتمعات.
من الناحية الطبية، تقدم هذه الخطوة التاريخية العديد من الإيجابيات، فهي تساهم في زيادة الوعي العام بشأن أهمية التبرع بالأعضاء، ما يساعد على تخفيف المعاناة عن مرضى الفشل العضوي، فالمرضى الذين يعانون من أمراض الكلى أو الكبد يحتاجون إلى زراعة الأعضاء كحل نهائي، ويكون التبرع بالأعضاء أملهم الوحيد في الحصول على حياة جديدة.
ولا تقتصر أهمية هذه المبادرة على الأبعاد الصحية فقط، بل تمتد إلى الأبعاد الإنسانية والروحية أيضا، فالتبرع بالأعضاء يعد من أعظم أشكال العطاء التي يمكن أن يقدمها الإنسان؛ لأنه يعني منح حياة جديدة لشخص آخر، إن هذا النوع من العطاء يعكس أسمى معاني التضامن الإنساني، حيث يقدم المتبرع جزءا من جسده ليعيد الأمل في حياة آخرين. كما أن إحدى أهم مزايا هذه المبادرة هي زيادة الوعي العام بشأن التبرع بالأعضاء، إذ إنه غالبا ما يعاني الناس من نقص في المعلومات بشأن آلية التبرع أو قد تكون لديهم مفاهيم مغلوطة بشأنه، حيث توفر المنصة فرصا للمتبرعين المحتملين للتعرف على جميع الجوانب القانونية والطبية المرتبطة بالتبرع بالأعضاء، ما يسهم في إزالة المخاوف وزيادة الثقة في النظام الصحي الوطني.
وإذا نظرنا إلى الدول الخليجية التي تبنت مبادرات مشابهة لتشجيع التبرع بالأعضاء، نرى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها “الحملة الوطنية للتبرع بالأعضاء”، والتي تعد من أبرز المبادرات التي تهدف إلى نشر الوعي بشأن أهمية التبرع بالأعضاء، وتشجع الأفراد على التسجيل كمتبرعين، سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم، وتعمل بالتعاون مع المؤسسات الصحية والجمعيات الخيرية عبر استخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر عدد من الناس. وفي المملكة العربية السعودية يوجد المركز السعودي لزراعة الأعضاء، وهو مركز وطني متخصص بتنظيم وتطوير خدمات التبرع بالأعضاء وزراعتها في المملكة العربية السعودية، وأحد المراكز التابعة للمجلس الصحي السعودي، ويعد الجهة المشرفة على برامج ومراكز زراعة الأعضاء والتبرع بها في السعودية.
وفي دولة الكويت توجد الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء، التي تحث المواطنين على التبرع والوصية بأعضاء الجسم لعلاج المرضى وفق أحكام القوانين والأنظمة المرعية في البلاد، فضلا عن توفير الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة للمرضى والأشخاص الذين يتبرعون بأعضائهم لعلاج المرضى.
وفي سلطنة عمان يوجد البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء، الذي يسعى إلى تحسين جودة الحياة وإنهاء معاناة مرضى الفشل العضوي بشكل نهائي عن طريق توفير الأعضاء والأنسجة لهؤلاء المرضى في أقرب فرصة ممكنة وبطريقة عادلة، ووضع القوانين واللوائح المنظمة لذلك، والاهتمام بالجوانب البحثية والتدريبية.