يعد سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطانات شيوعا عند النساء، ويخصص شهر أكتوبر للتوعية به متخذا من اللون الوردي، ذلك اللون الأنثوي، رمزا وهوية، وصورة المرأة ترتبط بكل الإعلانات الخاصة به، وهذا ما كرس نظرة مجتمعية بأنه يصيب النساء فقط. ولكن هل يمكن أن يصيب الرجال؟ الحقيقة الصادمة هي أن سرطان الثدي يمكن أن يصيب الرجال أيضا في حالات نادرة. عبدالله الجميري هو أحد المتعافين من سرطان الثدي في حالة نادرة جدا في البحرين، قرر أن يكسر حاجز الصمت ويتحدث لـ “صحتنا” عن تجربته بشجاعة، متحديا نظرة المجتمع “المتنمرة” أحيانا وبدهشة ساخرة، فقد خاض تجربة فريدة وشجاعة في مواجهة المرض والتغلب عليه. ولم ينكفئ أو يتوارى أو يخضع لقيود المجتمع، فهو الرجل الوحيد الذي يشارك في الشهر الوردي، شهر التوعية بسرطان الثدي، ويصرح بإصابته بالمرض دون خجل أو خوف؛ ليغير الصورة النمطية، ويقول إن سرطان الثدي لا يفرق بين الجنسين، ويمكن أن يصيب الرجل أو المرأة.
كيف تم اكتشاف وتشخيص إصابتك بسرطان الثدي؟
كنت أعيش حياة طبيعية، أمارس هواياتي المفضلة وهي السفر ورياضة المشي وأحيانا السباحة، لكن كل الأمور تغيرت عندما لاحظت بروز كيس دهني أسفل حلمة الثدي، ما أثار انتباهي ودفعني إلى الفحص الطبي. بعد زيارتي للمركز الصحي، تم تحويلي إلى مستشفى الملك حمد، حيث أجريت الفحوصات اللازمة. وعندما نادتني الطبيبة للحديث معي، شعرت بقلق شديد وراودتني أسوأ الاحتمالات، وحينما أخبرتني بأنني مصاب بسرطان الثدي، كان وقع الخبر صادما.
كيف كان رد فعلك الأول عند تلقي التشخيص؟ وهل كنت تعلم أن الرجال يمكن أن يصابوا بسرطان الثدي؟
أصبت بالذهول مع حالة من الدهشة والاستغراب، فكنت أعتقد أنه مرض يقتصر على النساء فقط.، فكيف يصيب الرجال؟! لم أكن أعلم أنه يصيب الرجال أيضا، وسألت الطبيبة مباشرة: هل يوجد أدوية تعالج هذه المشكلة؟ فكنت أعتقد أن العلاج بالكيماوي؛ لكنها أخبرتني أن اللجنة قرروا بأني سأحتاج إلى جراحة، كنت أتوقع أن يتم استئصال الورم وهو الانتفاخ البارز الذي كان في حدود 1.5 سنتيمتر؛ لكنها أوضحت لي برد مرعب أنني سأحتاج إلى استئصال الثدي بالكامل؛ ورغم ذلك، حافظت على هدوئي وتقبلت الأمر بإيمان وتسليم، الأمر الذي أثار دهشة الطبيبة التي توقعت رد فعل أكثر انفعالية، لكنها حيتني على روحي الإيجابية.
أما الأهل والمحيطون بي فلم يستوعبوا الأمر بسهولة، وكانوا غير مصدقين للخبر بسبب قلة الوعي والقراءة، فنحن مجتمع غير قارئ، فلم يتصوروا أن الرجال يمكن أن يصابوا بسرطان الثدي.
كيف كانت رحلة العلاج؟
خضعت لعملية الاستئصال، تلتها 4 جلسات من العلاج الكيميائي، ما أدى إلى تساقط شعري في أماكن متفرقة من جسمي، وحالتي النفسية كانت متعبة، فكان الجو العام في المنزل مليئا بالحزن، والأهل كلهم أدعية وعبارات تعاطف مغلفة بحزن شديد جدا، فكان هذا يغذي الطاقة السلبية عندي، إضافة إلى الأعراض المتعددة والمزاج المتعب، فكانت رحلة صعبة، ما زاد من معاناتي النفسية ودخلت في حالة اكتئاب، ثم بدأت مرحلة العلاج الإشعاعي، التي كانت مرهقة أيضا، وتجاوزتها، وبعدها بدأت العلاج الدوائي، ومع مرور الوقت، استعادت حالتي الصحية توازنها وعاد شعري للنمو وتجاوزت الأعراض التي كانت مؤقتة.
والفضل الكبير لخروجي من نوبات الاكتئاب هذه كان لدعم المتعافين من السرطان، وعلى رأسهم الأخ حمود جاسم، وفرح علي، المتعافيان من السرطان والناشطان في التوعية به، ودخلت حساباتهم في منصة الإنستغرام واطلعت على منشوراتهم وحواراتهم، وقرأتُ كتاب حمود “عودتي إلى الحياة”، ووجدتُ فيه كلمات ألهمتني، مثل: “أجمل النفوس هي التي تجرعت الألم وأرادت أن تجنبه للآخرين”، والذي كان له الأثر الإيجابي، كما أجرى الأخ حمود وفرح علي اتصالا بي ودعماني. ويمكن القول إن الاطلاع على تجارب المتعافين يمنح جرعات معنوية هائلة وأملا كبيرا، ويعطيك خريطة الطريق لتجاوز المرض.. فقد تغيرت حياتي 180 درجة.
كما أن الفريق الطبي في مركز البحرين للأورام متمكن جدا، من أطباء ومختصين، وتلقيت معاملة راقية جدا ورعاية طبية متميزة بإخلاص وتفان، فلم يكن هناك فرق في تعاملهم بين النساء والرجال، وكل من صادفتهم في مركز البحرين للأورام من أطباء ومختصين واستشاريين وممرضين وباقي الموظفين، يؤدون واجباتهم باحترافية وإتقان. وأعتبر مركز البحرين للأورام بيتي الثاني.. استفدت كثيرا من الاهتمام من مركز البحرين للأورام، والطبيب كان على اتصال مباشر معي، ورقم هاتفه معي ويتابع حالتي باستمرار، والاهتمام متقدم وعال، وهذا كان محل تقدير كبير مني.
ما أكبر التحديات التي واجهتها كونك رجلا مصابا بسرطان الثدي؟
أبرز التحديات كانت هي المفاهيم خاطئة عند الناس، والجهل المجتمعي بشأن إمكان إصابة الرجال بسرطان الثدي، فكان كثيرون يضحكون ويسخرون مني بالقول “كيف يصيبك سرطان الثدي وأنت رجل، فهو للنساء وليس للرجال”، وهذا يدل على تدني الوعي لدى الناس بسبب غياب الثقافة العامة.
هل تخشى عودة المرض؟
لقد عاد ليي فعلا بالعام 2022، وأصابني في الضلع السادس من جهة اليسار، وأخبرني الطبيب أن السرطان يمكن أن يصيبني في المستقبل؛ لكنه طمأنني بأن العلاج متوافر ونسبة نجاحه 100 %، والعلاج هو 5 جلسات إشعاع باستخدام جهاز وتقنية جديدة تختصر الجلسات العلاجية من 20 جلسة الى 5 جلسات فقط.
هل تلقيت دعما من مجموعات أو منظمات تهتم بسرطان الثدي؟
من دون مجاملة، كان للفعاليات التي تقام في شهر أكتوبر، الشهر الوردي التوعية بسرطان الثدي، الأثر الكبير على نفسي، فتم تكريمي ضمن أشد المؤثرين الرجال للتوعية بسرطان الثدي، وأكن لهم كل المحبة والشكر، كما منحوني شهادة، وأجرت بعض الشركات مقابلات معي، ومنحتني شهادات ودروعا تكريمية؛ تقديرا لجهودي في نشر الوعي بشأن المرض.
كيف غيرت هذه التجربة نظرتك للحياة والصحة؟ وما رسالتك للمجتمع؟
أنا بطبيعتي شخص يؤمن بأهمية الكشف المبكر والفحوصات الدورية، وهذه التجربة عززت لدي هذا المبدأ أكثر.. لا يوجد شيء أهم من الكشف المبكر، فهو مفتاح العلاج. كما أن الحالة النفسية تلعب دورا كبيرا في الشفاء، لذا لابد من التخلص من الخوف، فالسرطان ليس مرادفا للموت.
ورسالتي للجميع، خصوصا الرجال: لا تتجاهلوا أي تغيرات غير طبيعية في أجسادكم، ولا تستهينوا بإمكان الإصابة بسرطان الثدي.. والكشف المبكر ينقذ الحياة.