أثارت زيارة أدتها النائبة البرلمانية فاطمة المسدّي إلى مخيّمات المهاجرين غير الشرعيين في منطقة العامرة بمحافظة صفاقس جنوب تونس، جدلا واسعا، بعدما وقفت على مفاجآت غير متوقعة. ونشرت النائبة صورا من الزيارة التي أدتها يوم الجمعة إلى مخيّم "هنشير بن فرحات" ببلدة العامرة، كشفت من خلالها عن وجود غرفة طعام ومسجد وما يشبه قاعة صغيرة لمشاهدة الأفلام والمباريات الرياضية، بالإضافة إلى صيدلية بداخلها أنواع مختلفة من الأدوية، ومستشفى مجهزّ ببعض الأسرّة، وبسطات تعرض مواد غذائية، وكذلك مولدات كهربائية لتوفير الطاقة.   وخلصت النائبة إلى أن "هناك دولة داخل الدولة"، داعية الرئيس قيس سعيد إلى زيارة المخيّمات، حيث يتمتع المهاجرون غير الشرعيين بكافة الخدمات الأساسية التي تتيح لهم العيش بأمان وبشكل مستقل. وأثارت المشاهد جدلا واسعا، في وقت يتصاعد فيه النقاش العام حول كيفية التعامل مع آلاف المهاجرين غير الشرعيين بتونس والإجراءات الضرورية لحل هذه الأزمة، حيث اعتبر البعض أن هناك مشروع استيطان، مطالبين بترحيلهم إلى بلدانهم، بينما حمّل آخرون المسؤولية للدولة، بسبب عزلها المهاجرين وتقييد حركتهم، مما دفعهم لإيجاد طرق بديلة للبقاء على قيد الحياة. طلب بترحيلهم في هذا السياق، علّقت ناشطة تدعى نرجس بالحاج "بعد زيارة السيدة النائبة فاطمة المسدي إلى معقل الأفارقة في غابة العامرة، تأكد وبما لا يدعو إلى الشك أن الأفارقة جنوب الصحراء هم مشروع استيطان لتغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد التونسية وهذا المخطط تدفع به أوروبا للتخلص من المهاجرين الأفارقة". وأضافت "أصبح من الضروري الآن ترحيل هؤلاء الوافدين إلى بلدانهم، المسألة مسألة أمن قومي، والسكوت عن هذا الموضوع سيؤدي إلى كوارث في المستقبل، الترحيل مطلب شعبي ولا بديل له". من جهته، تساءل الناشط علي الهمامي في تعليقه "من باع الوطن ومن قبض الثمن؟"، مشيرا إلى أن المرافق التي يتمتع بها المهاجرون لا تتوفر في عدّة بلدات ومناطق تونسية، أما فاتن لعذاري، فاعتبرت أن ما وثقته النائبة في زيارتها الميدانية يدق نواقيس الخطر مرة أخرى"، مشددة على أنه "لا مجال للتسامح مع من يعقد العزم على إقامة دولة داخل الدولة". حملات كراهية وعنصرية في المقابل، شن آخرون هجمة على النائبة فاطمة المسدّي، مطالبين بضرورة الكف عن حملات الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين، الذين يعيشون في وضعية هشّة، محملين المسؤولية للسلطات وطريقة تعاملها معهم. في هذا الجانب، كتب رمضان بن عمر، المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية "عندما تعمل الدولة على عزل مجموعات معينة وتقيّد حركتها وتحرمها من العمل والسكن والتنقل وتحرمها من مواردها الذاتية، فإنها بذلك تدفعها لإيجاد آليات وطرق بديلة للنجاة وللعيش عبر التنظيم الذاتي". واعتبر أن الدولة تعتبر هؤلاء "فائضين عن حاجتها أو قدراتها، وتختار الانفصال عنهم، ويصبح وجودها ظرفيا فقط لإبراز أنها القوة المهيمنة، ويتم تبرير هذا الفصل بالقوانين والتهديد الأمني أو الديموغرافي أو الصحي، وتتحول البدائل التي ابتدعتها هذه المجموعات التي تم عزلها إلى شكل من أشكال المقاومة للموت ومسارات للنجاة من قمع منظم يطالها وسياسات فصل تدفعها للموت (الفعلي أو الرمزي)". البحث عن طرق بديلة من جهته، أقرّ المدوّن هيثم المكي، أن "وجود عدد كبير من المهاجرين يفوق طاقة الاستيعاب في وضعية غير قانونية يمثل مشكلة في أي بلاد"، لكنّه يرى أن الدولة أخطأت في طريقة التعامل معهم، لافتا إلى أنها عوض ترحيلهم بالتنسيق مع بلدانهم، قامت بحصرهم في منطقة معزولة ومنعت من تقديم أي مساعدة لهم، وأبرمت اتفاقيات مع دول أوروبية لمنعهم من الهجرة. وأشار إلى أن هذا الوضع دفع المهاجرين إلى البحث عن طرق بديلة، فقاموا بقطع أشجار الزيتون وبناء منازل وتركيز محلات تجارية عشوائية، وتوفير مولدات كهربائية، داعيا إلى ضرورة الكف عن خطاب الكراهية وحملات التحريض ضد المهاجرين. ويتواجد في تونس آلاف المهاجرين غير الشرعيين، منتشرين في مخيّمات، ينتظرون فرصة العبور إلى أوروبا، ويمثلون قلقا كبيرا، خاصة للسكان المحلّيين الذين يطالبون بترحيلهم، بعد انخراط عدد منهم في جرائم وأعمال عنف. ومنذ أشهر، بدأت تونس في تطبيق برنامج يستهدف الحد من تواجد المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، وذلك بفتح الباب أمام عودتهم الطوعية إلى بلدانهم، وتقديم تسهيلات لكل الراغبين في ذلك، لكنّ التجاوب مع هذه الخطّة لا يزال ضعيفا.