الانتقال إلى الصكوك المدعومة بالأصول قد يؤثر على أرباح البنوك  البنوك الإسلامية أن مفترق طرق ..كيف ستتأقلم الأسواق المالية     يثير المعيار الشرعي رقم 62 الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) حالة من الترقب وعدم اليقين في أوساط البنوك الإسلامية والأسواق المالية، حيث لم يؤثر حتى الآن على تصنيفات البنوك الإسلامية أو قدرتها على إصدار وترتيب الصكوك، لكنه يحمل بين طياته احتمالات لإعادة تشكيل سوق الصكوك وفق ضوابط شرعية جديدة قد تؤثر على هيكليته وجاذبيته للمستثمرين. وتناولت وكالات تصنيف عالمية هذا الموضوع ببالغ من الاهتمام ومن بينها وكالات مثل فيتش وستاندرد آند بورز في حالة ترقب على ما ستكون به السوق المالية الإسلامية بعد هذه الخطوة. في بداية شهر فبراير الماضي، عقدت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) جلستي استماع علنيتين حول المعيار الشرعي رقم 62، حيث رأت وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» أن هذا المعيار سيرسم ملامح مستقبل سوق الصكوك. وقد أكدت أيوفي أن الغرض من هذا المعيار هو توحيد مواصفات ومتطلبات إصدارات الصكوك، لا سيما في الدول التي اعتمدت هيئاتها التنظيمية المعايير الشرعية لأيوفي. ومن المتوقع أن تعطي الهيئة الإسلامية المنظمة للقطاع والتي تحظى باعتراف دولي واسع بالمعايير التي تصدرها، مهلة تقدر ما بين سنة إلى ثلاث سنوات قبل تبني هذه المعايير رسميًّا. يعد المعيار رقم 62 جزءًا من جهود أيوفي الرامية إلى توحيد معايير سوق الصكوك وجعلها أكثر توافقًا مع أحكام الشريعة الإسلامية. وتتمثل أبرز التحديات في الغموض المحيط بالنطاق النهائي للمعيار، وكيفية تطبيقه في مختلف الأسواق، والجدول الزمني المتوقع لاعتماده من قبل الجهات التنظيمية. وفي حال أدى المعيار إلى تغييرات جوهرية في هيكلة الصكوك، فقد يؤثر ذلك على التمويل والسيولة للبنوك الإسلامية، إلى جانب احتمال ارتفاع تكلفة التمويل وتراجع الطلب الدولي عليها إذا فقدت الصكوك جاذبيتها مقارنة بالسندات التقليدية. ويثير المعيار أيضًا تساؤلات حول طريقة تقييم الصكوك، حيث تعتمد غالبية الصكوك المصنفة حاليًا على هياكل قائمة على الأصول، مما يسمح للمصارف بالحفاظ على الأصول الأساسية ضمن ميزانياتها العمومية. لكن في حال شجع المعيار الانتقال إلى الصكوك المدعومة بالأصول، فقد يؤدي ذلك إلى إخراج هذه الأصول من ميزانيات البنوك، وهو ما قد يؤثر على السيولة والربحية ونسب رأس المال التنظيمي. السيناريوهات المحتملة  مع ترقب الأسواق للنسخة النهائية من المعيار، هناك عدة سيناريوهات قد تحدث، حيث قد يمنح الجدول الزمني الذي تحدده أيوفي للمصارف ومصدري الصكوك فرصة لتطوير هياكل جديدة تحقق التوازن بين الامتثال لمتطلبات الشريعة الإسلامية والحفاظ على جاذبية الصكوك كأداة استثمارية لمستثمري الدخل الثابت. وقد أشارت أيوفي خلال جلسات الاستماع العامة إلى أن بعض الصكوك السيادية السابقة اعتمدت على حق الانتفاع كأصول أساسية، مما قد يساعد في التخفيف من تعقيدات تسجيل الأصول. وفي حال تم تسجيل الأصول باسم المستثمرين وتحملوا رسوم التسجيل، فقد يؤدي ذلك إلى اعتبار الصكوك منتجًا لإدارة الأصول بدلاً من كونها أداة تمويلية، مما يغير طبيعة العلاقة بين المستثمرين والمصدرين، بحسب تقارير. إضافة إلى ذلك، قد تواجه الأسواق تحديات قانونية وتشغيلية نتيجة عدم وجود أسواق توريق متطورة في العديد من الدول التي تتبنى التمويل الإسلامي، ما قد يخلق حالة من عدم اليقين حول إمكانية نقل الأصول من ميزانيات البنوك الإسلامية إلى كيانات خاصة لأغراض إصدار الصكوك. تداعيات على التصنيفات  حاليًا، يتم تصنيف إصدارات الصكوك المصرفية من قبل وكالة “فيتش” وفق معايير تصنيف البنوك ومعايير تصنيف الصكوك. لكن في حال تحول السوق نحو هياكل جديدة مثل الصكوك المدعومة بالأصول أو الصكوك المشابهة للأسهم، فقد تصبح هذه الأدوات غير قابلة للتصنيف وفقًا للمعايير الحالية، مما قد يستلزم نهجًا جديدًا لتحليلها وتقييم مخاطرها، وفق وكالات تصنيف. ومن بين المخاطر المحتملة، أن يؤدي نقل الأصول من ميزانيات البنوك إلى تعريض المستثمرين لمخاطر أمانة مرتبطة بالجهات الراعية للصكوك بدلاً من المخاطر الائتمانية المعتادة، وهو ما قد يجعل الصكوك أقل جاذبية لمستثمري الدخل الثابت، وبالتالي يؤثر على نشاط السوق والسيولة المتاحة فيه. الايوفي تعتبر أيوفي إحدى أبرز المنظمات الدولية غير الربحية الداعمة للمؤسسات المالية الإسلامية، حيث تأسست عام 1991 في مملكة البحرين، وتتمتع بعضوية أكثر من 45 دولة تشمل البنوك المركزية والسلطات الرقابية والمؤسسات المالية والمكاتب القانونية وشركات التدقيق. وقد أصدرت حتى الآن 98 معيارًا تغطي مجالات المحاسبة والمراجعة وأخلاقيات العمل والحوكمة، إضافة إلى المعايير الشرعية التي تم تبنيها من قبل عدد من البنوك المركزية والسلطات المالية كموجهات إلزامية أو إرشادية، مما ساهم في تحقيق درجة متقدمة من التجانس في الممارسات المالية الإسلامية عالميًّا. ما التالي؟ من المتوقع أن تصدر النسخة النهائية من المعيار 62 خلال عام 2025، لكن الجدول الزمني النهائي لا يزال غير واضح. وتشير التوقعات إلى أن الجهات التنظيمية التي ستتبنى المعيار ستسعى لتطبيقه بشكل تدريجي للحد من تأثيراته على استقرار الأسواق المالية. كما من المرجح أن تمنح أيوفي والجهات الرقابية أصحاب المصلحة فترة انتقالية كافية لتعديل ممارساتهم بما يتناسب مع المتطلبات الجديدة. وفي ظل هذه المتغيرات، يبقى التساؤل الرئيس كيف ستتأقلم البنوك الإسلامية والأسواق المالية مع التعديلات المحتملة، وما إذا كانت هذه التعديلات ستسهم في تعزيز مكانة الصكوك كأداة استثمارية إسلامية قوية، أم ستؤدي إلى تحولات جوهرية قد تعيد تعريف سوق التمويل الإسلامي بأكمله.