د. محمد طيب أحمد.. كلية علوم الإعلام والاتصال/ جامعة الجزائر3
حتى لا ننسى تلك الأيام الدراسية، سنوات بالمعهد نتدرج في فهم العلوم الإعلامية والاتصالية، تناطح الأفكار بين الموضوعية والإيديولوجية، أساتذتنا يبحثون في الماهية، يزرعون بعمق الأفكار الأساسية، يوجهوننا نحو التفكير العلمي والتدرج في ملامسة الأبحاث العلمية، نتذكر منهم اليوم أستاذنا الدكتور خالد السلام بخصوصية، كيف ننساه ونعتبره نحن من عرفناه عالم علم الدلالة وأول من أدل إلى معهدنا السيمولوجيا.
البروفيسور خالد عبد الله السلام المولود في 14 أفريل 1929 ببغداد بالعراق، متزوج، تحصل على شهادة دكتوراه دولة في الفلسفة بتاريخ 17 جويلية 1974 من جامعة العلوم الاجتماعية همبولدت ببرلين حيث يشهد له المجلس العلمي للجامعة أنه له قدرات خاصة ضرورية في تخصص الأدب الفرنسي، التحق بالجامعة الجزائرية مباشرة بعد أول دخول له إلى الجزائر 13 فيفري 1979 في إطار التعاون بين الجزائر والبلدان العربية (العراق)، سكن بالعاصمة في حي الينابيع ببئر مراد رايس، أولا كأستاذ محاضر بالمعهد الوطني للعلوم الاقتصادية بالجزائر العاصمة بصفة أستاذ متعاقد وذلك ابتداءا من 28 فيفري 1979، ثم انتقل إلى معهد علوم الإعلام والاتصال كأستاذ مساعد عام 1985، ومنذ ذاك درس به دون انقطاع، مارس عمله في مهنية واحترافية عالية، حتى مغادرته الجزائر في 31 جانفي 1995، ويشهد له المعهد “بالمواظبة الدائمة في التدريس والتأطير على المستويين شهادة الليسانس وشهادة الماجستير، وأنه يبقى الدكتور من الأساتذة الذين تركوا بصماتهم في المعهد وشقوا الطريق لأجيال من الطلبة”.
بيداغوجيا كانت تجمعه مع طلبته علاقة طيبة ثرية، درس في شهادة الليسانس الوحدات التالية: المسائل النظرية لبناء الاشتراكية، علم الاجتماع المستمعين والمشاهدين، علم اجتماع الصحافة المكتوبة، علم الاجتماع الإعلامي، علم الدلالة العامة، علم دلالة الإعلام، علم دلالة الصحافة المكتوبة، علم دلالة الصورة، تكنولوجية وسائل الإعلام، منهجية علوم الإعلام. وعلى مستوى شهادة الماجستير: السيميولوجية، سيمولوجيا الإعلام، منهجية، العلاقات الإعلامية الدولية، نظريات الاتصال، إضافة إلى الإشراف على مذكرات الليسانس، وستة عشرة شهادة ماجستير ناقش منها أربع رسائل، كما ساهم في مناقشة أكثر ست دراسات ماجستير في معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية ومعهد علوم الإعلام والاتصال، كما أنه أشرف على ثمانية طلبة دكتوراه دولة، وناقش العديد منها.
الحقيقة رغم الظروف الاستثنائية التي عاشتها الجزائر بقى صابرا يقاوم لم يرد المغادرة، وهو المُحب للجزائر الساهر الأمين على دعم الجامعة الجزائرية والمشاركة الفعالة في تكوين طلبتها وتأطيرهم ليجعل منهم قدرات تنفع مؤسسات الدولة الجزائرية والدول العربية، هكذا طلب تجديد عقد العمل سنة 1994 لكن للأسف لم يجدد له ليغادر الجزائر سنة 1995.
وقبل مغادرته كتب له آنذاك المجلس العلمي الموقر رسالة شكر وعرفان محتواها: “عشية مغادرتكم معهدنا وبلدنا إلى الوطن الشقيق العراقي يتقدم رئيس وأعضاء المجلس العلمي بالتشكرات الجمة وبالاعتراف الكبير لكل الخدمات والأعمال التي قدمتموها لمعهدنا.
فوجودكم لمدة ثلاثة عشرة سنة بمعهدنا جاء بالكثير ومد مؤسستنا بخبرتكم وعطاؤكم السخي.
أستاذنا الجليل أن مغادرتكم معهدنا هي بالنسبة لنا خسارة كبيرة لكننا نؤكد لكم أنكم ستبقون في ذاكرتنا وأذهاننا وكيف لا وأنتم من المساهمين الأساسيين في تطوير هذا المعهد وتقدمه، ولذا نرجو أن تبقوا على اتصال ومرحبا بكم في مؤسستنا في أي وقت ولحظة. أملنا أن يبقى الاتصال بيننا.
وفقكم الله في أهدافكم ومراميكم وعودة سعيدة إلى العراق الشقيق ودمتم في رعاية الله وحفظه. تقبلوا فائق الشكر والاحترام والتقدير”. أعضاء المجلس العلمي المتكون من القامات أساتذتنا الكرام: الدكاترة زهير إحدادن، عزي عبد الرحمن، حاج علي إسماعيل، عبد الله بوجلال، إبراهيم براهيمي، نورة بن علاق، وأوريدة عمراني، والأساتذة أحسن بومالي، الطاهر بن خرف الله، صالح بن بوزة، وجمال بوعجيمي، وبمصادقة مدير المعهد عبد السلام بن زاوي.
الإعلامي السوسيولوجي الخبير في العلوم الصحفية والإعلامية، أول من أدخل السيمولوجيا إلى المعهد والكلية، هو العراقي الجزائري المفكر الممنهج الذي ساهم في بناء صرح الإعلام بالمعهد في العقود الماضية، أحب الجزائر وأختارها بروح وطنية، دكتوراه من الجامعة الألمانية، مشواره ثري في العلمية، درسنا عنده على مستوى الليسانس وفي الدراسات العليا، وذلك في القرن الماضي بعد منتصف الثمانينات وبداية التسعينات. درس العديد من الأجيال المتتالية، قدم للمعهد القيمة الإضافية، دفع بالتدريس إلى مستويات راقية، كانت مكانته متميزة وهو من ساهم في بناء صرح الدراسات الاعتصالية، شكله المميز جعل منه أيقونة بالمعهد في استثنائية، معه بنة في دراسة الوحدات منها علم الاجتماع الإعلامي وتطور الدراسات الإعلامية، من بين مؤسسي علوم الإعلام والاتصال في الجزائر باللغة العربية، خاصة في وحدات الدلالات والسيميولوجيا، عرفنا معه فرناند دي سوسير ورولان بارث وجاكبسون وحتى الجاحظ والأعلام في اختصاص السيميائية، قائمتهم في الاختصاص ذات أهمية، مستويات اللغة والصورة البصرية، الدال والمدلول، الأيقونة والدلالات الميتافيزيائية، ذهبنا معه بعيدا في الصورة الذهنية، المصطلحات تتعنجه معه لها نغمة موسيقية، محاضراته يحضرها جُل الطلبة في انتباه بصفة عالية، لا تسمع صوتا أثناء إلقاءه خوفا من أي إجراءات عقابية، كنا نسميه أينشتاين العلوم الاتصالية، يذهب بنا بعيدا في الفكروية، يصعد بنا في فهم أعماق السيميولوجيا، رياضيات ودلالات تقنو- فنية، قلنا له يوما لا نفهمك المستوى عالي انزل إلينا حتى نفهمك في تحليلاتك التفسيرية، رد قائلا “أنتم من عليكم برفع مستواكم عبر المراجعات والرجوع إلى المصادر الأصلية”.
الأديب اللغوي الاقتصادي الرياضي الإحصائي المتميز في المنهجية، تعلمنا عنه الخطوات الما قبلو- مكتبية، وكل الخطوات المنهجية، في النظري والتطبيقات الميدانية، مقاييسه لازلت أحتفظ بها كنت أسجل كل ما يقول بطريقة آلية، تمتعنا معه تحس أنك تسافر عبره في سفينة زمكانية، له أستاذنا من الوقار وقوي الشخصية، امتحاناته نجيب عنها بطريقة ذكية، لا ترد له سلعته فهو يطرح انشغالات لها علاقة بالإشكالية، كان يوصينا أن المنهجية هي ليست طريقة فقط في البحوث العلمية، وإنما هي سلوك الإنسان المتحضر في اليومية.
باسمكم جميعا وبإسمي الشخصي نشكره على ما قدم للجامعة الجزائرية، في ميزان الحسنات يرحمك الله أستاذنا في الباقية، اللهم أرحمه وأدخله جنانك وأجعل مكانته هناك عالية، جزاكم الله عنا خيرا، نذكركم أستاذنا الكريم اليوم وغدا وكأنكم بيننا وصوركم عالقة في أذهاننا، نُذكر بِكم طلبتنا حتى يعرفوا أن البناء يتم في سيرورة وتواصل بصبر وحكمة لآفاق واعدة مستقبلية.
التدوينة وقفة تذكر الأستاذ الحاضر الغائب البروفيسور العراقي “خالد السلام”.. مشوار بين الثراء والعطاء ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.