الدكتور محمد بغداد
ارتفعت في المدة الأخيرة وتيرة الخطاب الرسمي للدولة حول موضوع ترقية الصادرات، سواء من خلال تخصيص وزارة خاصة بها (وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات) أو من خلال اجتماعات وتوجيهات عالية المستوى، ومعها ارتفع سقف الطموحات في إمكانية تحقيق خطوة ينتعش فيها الاقتصاد الوطني، ويجد المنتوج مكانتها في الأسواق الدولية، في زمن يعرف العالم شراسة كبرى في المنافسة ودخول (التكنولوجيا) كطرف حاسم في أدوات الإنتاج، ليأتي السؤال غير المعتاد في القاموس الاقتصادي عندنا، هل يمكن أن يكون الكتاب في قائمة ترقية الصادرات؟ وهل هناك مبرر لإدراج الكتاب في هذه القائمة؟ وما هي المنافع المنتظرة من هذا الإدراج؟
القدرات الإنتاجية
إن العمل الذي يفترض أن يتم انجازه للوصول إلى إدراج (الكتاب / المنتوج)، في قائمة الصادرات الوطنية وتعزيزه بما توفره المنظومة القانونية والإجراءات التحفيزية من خلال تمكينه من فرصة الترقية، يتطلب الاستفادة من تفعيل المساحات التي يتيحها قانون الاستثمار، والابتعاد عن النظرة العاطفية لموضوع (الكتاب/ المنتوج)، وتغيير هذه الرؤية إلى المستوى الاقتصادي الاستراتيجي، فالكتاب ليس مجرد محمول ثقافي ترفيهي، وإنما هو وسيلة حضارية سياسية إستراتيجية، يعتمد عليها صانع القرار في أية دولة لتعزيز السيادة الاقتصادية وامتلاك أدوات النفوذ والسيطرة السياسية،تؤكد جدارة المجتمع وأحقيته في البقاء في الفضاء الدولي، بما ينتجه من أفكار ومبادرات ومعارف وقيم، تساهم في صياغة الإنسان وتعزيز جدارة المجتمع ومشاركة المجتمع في المسيرة الإنسانية.
إن تحقيق الوصول إلى إدراج (المنتوج/الكتاب) في قائمة ترقية الصادرات باعتباره رهان دولة، يتطلب تعديل الذهنية الاستثمارية للفاعلين في الحقل الاقتصادي، وضرورة مشاركة العديد من الفاعلين في تجسيد هذه الذهنية الجديدة، وان الفعل الثقافي مهما كان مستواه ومجاله وقطاعه، وبخاصة الكتاب، هو المعبر عن هوية المجتمع والمتحكم في كل نوعية وهوية أي منتوج استهلاكي أخر.
الفرص التنافسية
وإذا كان الوصول إلى مستوى إدراج (المنتوج/ الكتاب)، في قائمة ترقية الصادرات، فإن ذلك يتطلب بعد تجاوز الذهنية الاقتصادية للكتاب من التفكير الاقتصادي، قبل ذلك يحتاج الأمر إلى فهم آليات الاستثمار الثقافي، وهو ما يعني استعداد الفاعلين في المشهد الثقافي (ثقافيا ونفسيا ومعرفيا وسياسيا)، بأن الأمر يحتاج إلى قوة المبادرة وذكاء الطرح ومهارة الاستفادة من الآخرين معرفة الحجم الكبير الذي توفره ممارسة النفوذ الثقافي على المستوى الدولي، وهو ما يجعل الجهد الدبلوماسي رهينة مستوى التفكير وحجم الإنتاج الثقافي.
إن امتلاك بلد كالجزائر الكثير من الإمكانيات وحوزتها على العديد من الفرصة تمكنها من بلوغ مستوى ترقية (المنتوج/الكتاب) في قائمة الصادرات، إذا تم تجاوز العوائق التقليدية التي تقبع على الذهنية الاستثمارية والثقافية، والانتقال بسرعة نحو الاستفادة من الفضاء الدولي والإقليمي الجديد الذي أفرزته الظروف الدولية الحالية، ما يجعل فرصة الظفر بمساحة واسعة ومهمة من السوق الثقافية الدولية، ويمنح الاقتصاد الجزائري فرصة جديدة يحصل من خلالها على منافع هو في أمس الحاجة إليها.
وهذا الأمر لا يتطلب عبقرية كبيرة ولا إعادة اختراع البارود، وإنما فقط القيام بالواجب الأخلاقي والالتزام السياسي والقدرة على التفكير الجاد والممارسة الدقيقة، التي تنسجم مع طبيعة العصر، وليس غريبا أن نشاهد أو نسمع عن قيام نقاش حقيقي يجمع بين الاقتصاديين وصناع (المنتوج/الكتاب) يتوج بإجراءات ملموسة يتم من خلالها مباشرة تصدير الكتاب باعتباره المنتوج الأهم والأكثر ربحا إلى الأسواق الدولية.
إن الأمر يتطلب مجرد ارتقاء الفاعلين في المشهد الاقتصادي والثقافي إلى مستوى خطاب القيادة السياسية ومرافقة إصرارها على تحقيق الأهداف والالتزامات التي تم التوافق عليها عبر موعدين انتخابيين.
حاجات الجالية
من أهم ما يمكن المراهنة عليه في سياق إمكانية التفكير في إدراج (المنتوج /الكتاب) في قائمة الصادرات التي يفترض الاهتمام بها، تأتي حاجات الجالية الوطنية في الخارج، وهو المحور الذي صعد إلى صدارة الاهتمام في أجندة الجزائر الجديدة، وهي الحاجة التي لا تندرج في إطار الجانب الاقتصادي والمستوى الربحي، فهو في حكم المضمون، كون (السوق الاستهلاكية)للجالية كبير، ولكن الأهم من ذلك كله هو تلك الصلة العميقة التي يمكن تجذيرها والاستثمار فيها في توفير الوسيلة الأهم في تلبية الحاجة الثقافية للجالية بوطنها واستفادتها من إمكانيات هي في أمس الحاجة إليها، لتحصين هويتها وتعزيز مكانتها وربط الأجيال الجديدة بالوطن، وصد حملات التشويه والصراع الحضاري الدائر في العالم، وهو الصراع الذي وقوده المعرفة وسلاحه الثقافة.
وإذا تمكن التفكير الاقتصادي من الوصول إلى تحقيق جزء من (الاستيعاب الثقافي للجالية الوطنية في الخارج)، فإن ذلك سيمكن البلاد من دعم استراتيجي مهم يساعد في استعادة مكانة الجزائر في الساحة الدولية ويمنح صاحب القرار فضاءات جديدة يمارس فيها قدراته في التواصل مع العالم، ويجلب عبرها الكثير من المنافع، وقد أثبتت العديد من النماذج أن الاتكاء على الاستثمار في (الاستيعاب الثقافي للجالية الوطنية في الخارج)، ينتج عنه امتلاك أدوات مؤثرة في النفوذ الدولي.
التدوينة هل سيتم إدراج الكتاب في قائمة ترقية الصادرات؟ ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.