يعتبر تأميم المحروقات, في 24 فبراير 1971, احدى أهم القرارات الحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة و التي سمحت بفك قيود التبعية الاقتصادية, بعدما تم تحقيق الاستقلال السياسي, حسب ما صرح به الباحث في التاريخ مزيان سعيدي.
واعتبر السيد سعيدي ان “تاميم المحروقات شكل احدى القرارات المهمة والحاسمة في تاريخ الدولة الجزائرية المستقلة والتي سمح بفك قيود التبعية الاقتصادية وتحرير قطاع المحروقات من السيطرة الفرنسية, من خلال عملية استكمال الاستقلال الاقتصادي تبعا للاستقلال السياسي الذي حققته الثورة التحريرية”.
واضاف بان قرار تاميم المحروقات, الذي اعلن عنه الرئيس الراحل, هواري بومدين, امام مناضلي الاتحاد العام للعمال الجزائريين, جسد كذلك تحقيق السيادة الفعلية للبلاد على الثروات النفطية والغازية على حد سواء.
و ذكر السيد سعيدي ان الاعلان عن تااميم المحروقات سمح بالسيطرة على ما لا يقل عن 51 بالمائة من المصالح والامتيازات الممنوحة للشركات الفرنسية, مؤكدا أن هذا القرار شكل أيضا نقطة تحول حيث أصبح “مرجعا للدول الأخرى التي تسعى إلى استعادة السيادة على مواردها الطبيعية”.
وبحسب الباحث, يمثل “بسط السيادة الوطنية الكاملة على كل الجبهات امرا حتميا, في ظل الحديث عن تحقيق الاستقلال الكلي عن الدولة الاستعمارية الفرنسية”, حيث سمح قرار تاميم المحروقات “باستعادة الجزائر لحرية التصرف في ثرواتها البترولية, والتحرر من نظام الامتيازات الاحتكاري الذي ورثته من العهد الاستعماري و تحقيق السيادة الفعلية على الثروات النفطية”.
علاوة على ذلك, مكن قرار التاميم من توظيف قدرات الجزائر النفطية في عقد شراكات متعددة مع عدة دول كبرى في العالم, كالاتحاد السوفياتي سابقا, والولايات المتحدة, والصين, وايطاليا, بهدف تنويع فرص التعاون “حتى لا تجبر الجزائر على التبعية لبلد واحد هو فرنسا”, حسب قوله.
و في هذا السياق, لفت المتحدث الى ان سياسة تنويع الشركاء سمحت ايضا بتحقيق نمو معتبر للإنتاج الجزائري للبتروكيمياويات من 34 مليون طن سنة 1966 الى 50 مليون طن سنة 1972, مع العلم ان سعر النفط آنذاك كان يقدر ب 2 دولار للبرميل.
كما اشار الموارخ الى ان تراجع الشركات الفرنسية عن “مواقفها المتعنتة” و رضوخها امام القرارات الجزائرية, “اكد نجاح الجزائر في عملية تاميم المحروقات بصورة نهائية وقطعية” حيث الزمت كل من الشركة الفرنسية للبترول بإبرام اتفاقيات مع شركة سوناطراك بتاريخ 30 يونيو 1971 .
كما أبرمت مجموعة “الف ايرابس” اتفاقيات مع سوناطراك في 13 ديسمبر من نفس السنة, وهي الاتفاقيات التي خضعت بموجبها هذه الشركات للمبادئ والقواعد التي تضمنها قرار التاميم و التشريعات اللاحقة المتعلقة بهذا القرار, والتي صدرت في 12 افريل 1971.
وفي رده عن سؤال حول انعكاسات قرار تاميم المحروقات على الصعيد الدولي, اكد المؤرخ ان هذا القرار السيادي “كان له صدى عالمي خاصة على مستوى الدول النامية حيث حاولت عدد من الدول تقليده لاسيما فنزويلا سنة 1976”.
كما انعكس هذا القرار ايجابا على تعزيز التصدير و رفع المداخيل, و تقليص هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات, مما ادى الى تشجيع الاستثمار في البنية التحية والمنشآت القاعدية, كالطرقات, المواصلات, المدارس و السدود و المستشفيات, و دفع التنمية الاجتماعية و الاقتصادية.
مقابل هذه الحركية التي عرفتها الدول النامية بفعل قرارات التأميم, حاولت الدول المتقدمة, يضيف فائلا, الابقاء على هيمنتها واحتكارها على قطاع الطاقة عبر شركاتها التي تستحوذ على التكنولوجيا في التنقيب والتكرير والصناعة البتروكيماوية والتحكم في اسعار المحروقات وتقلبات السوق الدولية والعقوبات الاقتصادية المباشرة والغير مباشرة.
وفي هذا السياق, ذكر السيد سعيدي ان الجزائر واجهت تحديات كبرى بعد قرارها تاميم المحروقات, مشيرا الى الجهود الكبيرة التي بذلتها بعد بسط سيادتها على ثرواتها النفطية, من اجل قيام صناعة بترولية كاملة ومراقبة الدولة لكامل مراحل استخراج البترول من تنقيب وانتاج ونقل وتكرير وتسويق, الى جانب الاستثمار في المنشآت الكبرى.
كما سعت الجزائر في هذا السياق الى خلق تكامل اقتصادي بين كافة القطاعات (الصناعة والزراعة والتجارة), ورفع معدل الادخار الوطني الذي يمثل فيه البترول موردا اساسيا, وتوظيف الامكانيات المالية في تشييد منشآت و مصانع لا تقل اهمية عن تلك الموجودة في الدول الصناعية المتقدمة, يستذكر المتحدث.
و بين هذه المنشآت الضخمة, مركب الحجار ومركب الصناعات الميكانيكية بالرويبة و مركب الصناعة الكهرومنزلية “انيام” و الصناعات الالكترونية “ايني” وصناعة الجرارات و مركب تكرير السكر ومركب الصناعات النسيجية وغيرها من الهياكل الرائدة في الصناعة الوطنية التي شيدت في خضم تاميم المحروقات بغية التخلص من التبعية الاقتصادية للخارج و منح فرصة لليد العاملة والاطارات الجزائرية للتكوين من اجل خدمة البلاد.

التدوينة الباحث في التاريخ مزيان سعيدي: تأميم المحروقات من اهم القرارات الحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.