حاج بن دوخة
سلطان الزمن الذي ألقى بظلاله على كل مناحي الحياة أفرز تسارعا في عالم الظروف وعجل ببروز قيما خالية من رواسب الماضي ومجردة من نفحات ميقات العابرين، لم يكن رحيما فقد أعلن قطيعة مع حياة الأمس وعيش السابقين، لم تنفع معه نظرية المقاومة، وكل ما استطعناه سبيلا هو القراءة في ذاكرة الأيام والنظر في مرآة المناجاة، عوالم بنسلها وقيمها وأحوالها مرت منها كان فيها لصيام رمضان نكهة خاصة وطعم بذوق الأحلام يختلف كثيرا عن راهن هذه الأيام وبات تذكره مزيجا بين اللوعة والمتعة.
قراءة في ذاكرة رمضان
1 – لم تعد تلك العادات المعروفة بين الأهالي والعائلات في الالتقاء والجلوس على موائد رمضان، فقد نابت الرسائل النصية ومواقع التواصل الاجتماعي عن اللمات والجلسات.
2 – افتقاد منبه الإفطار، الذي كان له تأثير كبير في الصائمين عند سماعه قديماً، كما افتقدنا إلى صوت المنادي للسحور وقولته الشهيرة: (قوموا تسحروا يا عباد الله قوموا يرحمكم الله).
3 – قَلٓ اجتماع الجيران بسبب التكاليف والرسميات ودورية الأجيال، كما انعدم تبادل الزيارات الذي اكتسح يوميات رمضان ذات زمن.
4 – اندثار الأكلات الشعبية بحسب المناطق والألوان، أين كان الشرط الساري هو خروج الوجبة من أيدي الأمهات تبركا وافتخارا، هذا التقليد اختفى من موائد رمضان وعاد من بورصة الحنين وتوارى عن الأعين والقلوب.
5 – قبل الأذان بساعات كانت الأواني تدخل كل بيوت الجيران في تبادل غريب للوجبات، حيث كانت الأواني تصل حتى عاشر بيت من جهة الشرق وعاشر بيت من جهة الغرب.
6 – غاب التقرب من الجيران بعد صلاة التراويح والجلوس لتناول القهوة مع بعض، وغابت لقاءات الأجداد والشبان ومواعيد الألعاب الشعبية.
7 – كانت الوجوه منقوشة بالبسمة والألفة والمحبة، مثلما كانت القلوب مليئة بالرحمة والإيمان تحت سقف مساجد صغيرة تضمهم يتزاحمون لأداء الصلاة فيها.
8 – قلت حلقات العلم وقلت معها المسابقات الفكرية والدينية التي حازت على أضواء رمضان فيما مضى.
بين الماضي والحاضر، فجوة كبيرة، يستشعرها الناس نتيجة اختلاف طقوس رمضان ، حيث أضحت الطقوس الرمضانية السابقة مجرد ذكريات عابرة ، أما اليوم فقد استوطنت لغة الحساب أفئدة الناس واكتسحت وجدانهم بعدما قبلوا بسلطة التكنولوجيا وزمالة التيارات الجديدة وربما سمفونية “أنا ومن بعدي الجحيم” زاد صيتها وانقلبت من شعار إلى دستور بديباجة مصلحية شاذة.
التدوينة حنين بأثر رجعي ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.