د- عطاء الله فوشار

رمضان ليس مجرد شهر صيام وعبادة، بل هو تجربة إنسانية وروحية انعكست في الأدب والشعر، حيث تناوله الأدباء والشعراء بوصفه موسمًا للخشوع والتأمل، وميدانًا للتحولات النفسية والاجتماعية. فمنذ العصور الإسلامية الأولى، كان للشهر الفضيل حضور بارز في الأدب العربي، يتجلى في قصائد المديح والتأمل، كما في النثر الذي يرصد تحولاته الروحية والاجتماعية.

 

رمضان في الشعر العربي

للشعراء نصيب وافر من الحديث عن رمضان، فقد امتزج لديهم بحسّ روحي عميق، وتجلّى في قصائدهم كرمز للنقاء والتجديد. ومن أقدم من كتب عن رمضان أبو الحسن الجزار (ت. 491هـ) في قصيدة يصف فيها نورانية الشهر:

 

قد جاء شهر الصوم فيه ترفُّعُ … عن لذّةِ الجسمِ التي تتقطّعُ

وفي العصر الحديث، كتب أحمد شوقي قصيدة مشهورة عن رمضان، جاء فيها:

رمضانُ زُرتَنا بالخيرِ طُرًّا … فأنتَ لنا ربيعٌ مُزْهِرُ

تُجدِّدُ للنفوسِ بهائَها … كمَا يُجَدَّدُ وَرْدُ المَطَرُ

وفي هذه الأبيات، يُصور شوقي رمضان كربيع روحي يُعيد الصفاء للنفوس، كما يُجدّد المطر الحياة في الطبيعة.

أما محمد إقبال، الفيلسوف والشاعر الهندي، فقد رأى في رمضان شهر التغيير الذاتي والتحول الحضاري، حيث قال:

صُمْتَ عن شهوةِ الجسدِ ولكنْ … لم تُفارقْكَ شهوةُ الأهواءِ

وهذا تأمل في البعد الحقيقي للصيام، فهو ليس فقط امتناعًا عن الطعام، بل سموٌّ أخلاقي وروحي.

 

رمضان في النثر والتأملات الأدبية

لم يقتصر حضور رمضان على الشعر، بل امتد إلى النثر، حيث سجّل الكتّاب تحولات المجتمع وأثر الصيام على الفرد. فقد كتب الجاحظ في البخلاء عن تغيّر عادات الناس في رمضان، وأشار إلى كيف يزداد التكافل الاجتماعي، ويتحول الناس إلى السخاء.

أما طه حسين، فقد وصف رمضان في كتابه الأيام، متحدثًا عن ذكريات الطفولة، حين كان يترقب مدفع الإفطار، ويشعر بجلال اللحظة حين يجتمع الجميع على المائدة. وكتب الرافعي في وحي القلم عن “روحانية رمضان”، موضحًا كيف يبعث هذا الشهر في النفوس سكينة عجيبة، تجعل الإنسان أكثر قربًا من ذاته.

 

رمضان بين الزهد والتأمل الحضاري

 

لطالما ربط الأدباء بين رمضان والزهد، حيث وصفوه كزمنٍ للتخفف من الدنيا والاقتراب من الجوهر الإنساني. وقد عبّر الإمام البوصيري في بردته عن الزهد بقوله:

والنفسُ كالطفلِ إنْ تهملهُ شبَّ على … حُبِّ الرضاعِ وإنْ تفطمهُ ينفطِمِ

فرمضان هو “فطام” للنفس عن شهواتها، وتحريرٌ لها من قيود العادات والاستهلاك.

 

رمضان كمصدر للإلهام الأدبي

لم يكن رمضان مجرد شهر صيام، بل كان مصدر إلهام أدبي وروحي، انعكس في الشعر والتأملات النثرية. فهو مدرسة في الزهد، وميدان للخشوع، ومناسبة لتأمل الإنسان في ذاته ومجتمعه. وكما قال الشاعر محمود حسن إسماعيل:

يا ليلةَ القدرِ مَهْلًا فالمُنى كَثُرَتْ … والعُمْرُ يَجْرِي ولم يُقضَتْ أمانِينا

فهل يكون رمضان في كل عصر مصدر إلهام جديد، يجد فيه الأدباء نافذة على الروح، كما وجد فيها أسلافهم؟

التدوينة رمضان في الأدب والشعر ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.