حاورها: منيـر سعـدي

 

لأنّ موضوع الشباب والميديا الجديدة من المواضيع الراهنة والحيوية، حيث يلاقي اهتمامًا وإقبالاً من قبل الباحثين والدارسين والمهتمّين في مجال الإعلام والاتصال، ويعود السبب إلى الدور المحوري الذي باتت تؤدّيه الميديا الجديدة في صناعة المحتوى الرقمي وفي ظهور أشكال وقوالب جديدة للتواصل والتفاعل، فقد أصبحت هذه الميديا نقطة ارتكاز أساسية في دراسات الإعلام والاتصال المعاصرة، بسبب تأثيرها الواسع على طرق إنتاج المحتوى وتلقّيه ونشره، وكذلك على العلاقة بين المرسِل والمتلقّي في العملية الاتصالية.

 

من أبرز التحدّيات التي تواجه الشباب في هذا المجال هو حضور الوعي وعدم الانجرار نحو المحتوى الرديء والتافه الذي يغزو المنصّات الرقمية، ينبغي على الشباب أن يتحلوا بالمسؤولية ويتحرّوا المصداقية فيما يتناولونه وينشرونه، وعدم الانسياق وراء الشهرة الزائفة والبحث عن الشعبية العابرة من خلال النشر العشوائي، بل عليهم تأسيس ثقافة جديدة في ظلّ فوضى النشر المتهوّر والتعتيم والتشهير والتلفيق.

 

 

يجب على المعاهد المتخصّصة والجامعات التعاون مع ذوي الخبرة في مجال النشر الرقمي للاستفادة من خبراتهم، وسنّ قوانين لضبط هذا النشر بالتنسيق مع سلطة الضبط، وتفعيل القوانين الردعية لمعالجة التجاوزات في الفضاءات الرقمية الجديدة، كما يجب تشريع قوانين جزائية تفرض عقوبات صارمة على الجرائم الرقمية كالإساءة المعنوية والمساس بكرامة الآخرين وتشويه السُمعة، لا مجرد التحذير، لتفادي العواقب الوخيمة لهذه التجاوزات.

كما يجب إدخال مقاييس جديدة في مناهج الدراسة وتقديم رؤى حديثة للطلاب والباحثين في مجال الإعلام الجديد، لتحديد معالم النشر الرقمي بشكل صحيح ومدروس.

 

 

تؤثّر وسائل الإعلام الجديدة بشكل كبير على هوية وقيم الشباب، من خلال ترويج سلوكيات تتنافى مع قيمنا المجتمعية، مما أدى إلى تشتت الهوية وضياع القيم لدى شبابنا، لذا يتوجّب على المؤسسات المجتمعية إيجاد أساليب إقناعية حديثة للتواصل مع الشباب المولع بالتكنولوجيا.

وللحفاظ على الهوية في ظل العولمة الرقمية، لا بدّ من توجيه الشباب نحو المواضيع البنّاءة وتهذيب ذوقهم العام، وتنشئتهم على ما يسمى “التربية الإعلامية”، لترشيد استخدامهم لوسائل الإعلام وتعزيز قيمهم الأصيلة.

 

 

يعيش الشّباب حالة من العزلة الاجتماعية الافتراضية بسبب انغماسهم في العالم الرقمي المُوازي للعالم الحقيقي، مما عزّز شعورهم بالاغتراب عن الذات ولو بجانب عائلاتهم، ولحماية الشباب من هذه العزلة يجب إشراكهم في أنشطة رياضية وثقافية وحملات تطوعية، وانخراطهم المباشر في لقاءات وحوارات تشغل وقتهم، لينصرفوا عن القيود التي فرضتها التكنولوجيا، وينغمسوا في الواقع بشكل أكبر.

 

 

نعم، تُمكّن وسائل الإعلام الجديدة الشباب من المشاركة الفعالة في الحياة العامة، حيث تفتح لهم المجال للتعبير عن آرائهم على نطاق واسع، ويمكن أن تلقى مضامينهم متابعة واسعة، فيتحولون إلى مؤثرين شهيرين في وقت قصير، خاصةً إذا نشروا مواضيع اجتماعية ومعيشية هادفة ينافسون بها المحتويات الرديئة التي تملك متابعين كثيرين.

 

 

توعية صنّاع المحتوى الرقمي بضرورة المساهمة في تطوير المجتمع من خلال إنتاج محتوى هادف وجاد، والابتعاد عن المحتوى الرديء والهزيل.

 

 

من أبرز توصيات المشاركين بالملتقى، ضرورة إدراج مقاييس جديدة في تخصصات الإعلام للطلاب، لرفع مستوى وعيهم بأهمية البحث عن المواضيع البناءة، كما تمّ تقديم مقترحات أخرى مهمّة، نأمل أن تجد صدى لدى الجهات المعنية، وأن تُتبع بأنشطة علمية مماثلة في المستقبل، فهذا الموضوع بحاجة إلى المتابعة المستمرة.

 

 

أتمنّى أن تكون هناك المزيد من المبادرات حول موضوع الملتقى في المستقبل القريب، كتنظيم ندوات ودورات تكوينية، فموضوع الشباب والميديا الجديدة هو قضية الساعة، ويعد تناوله ضرورة حتمية نظرًا للتغيرات التي أرست خاصية مهمة في هذا المجال، وهي تعدد الرؤى والآراء حوله.

كما أتطلّع إلى تنظيم ملتقى دولي حول الإعلام والذكاء الاصطناعي، يناقش مستقبل الإعلام في ظل الثورة التقنية التي يشهدها العالم.

 

نصيحتي لصنّاع المحتوى ألا ينساقوا وراء الشهرة الزائفة والنجومية المؤقتة، فلا ينبغي أن يكون همّهم الوحيد هو مساحة افتراضية كبيرة لا هدف لها، بل عليهم التركيز على جودة المحتوى الذي يقدمونه، بعيدًا عن التجرد من ذواتهم، فكثيرًا ما ينساق الشباب نحو الشهرة ويحتفون بالتصفيق المؤقت، ويتصدّرون الترند بحثًا عن مداخيل مالية، حتى لو كان ذلك عن طريق الابتذال.

وستظلّ الكتابة في قمة الهرم نحو تقديم محتوى هادف وراقٍ، ونصيحتي لهم التركيز على تقديم محتوى هادف ولائق يعبر عن آرائهم بطريقة راقية.

التدوينة رئيسة ملتقى الشّباب والميديا الجديدة البروفيسور نادية بن ورقلة للحـوار: ضرورة مواجهة تداعيات الميديا الجديدة على الهوية والقيم ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.