حاورته: حنان حملاوي
يتحدث الروائي عبد القادر بن جعفري عن آخر إصداراته “أمقوس” و “عشتو ريم الرقيبات” التي وصلت للقائمة الطويلة للجائزة الكبرى آسيا جبار، كما يقف عند اختياره كسر الطابوهات في العملين.
وصلت أول أعمالك الروائية “عشتو ريم الرقيبات” إلى القائمة الطويلة لجائزة آسيا جبار..ماذا يعني لك ذلك؟
وصول أول أعمالي إلى القائمة الطويلة لأكبر جائزة مرموقة في الجزائر المحروسة يعني لي الكثير لعدة اعتبارات:
أولها: يعني أنني من بين الكُتاب الشباب المبدعين في مجال السرد وفي جنس الرواية على وجه الخصوص في الوطن، وهذا وحده وسام خاص واستثنائي أضعه على صدري بفخر واعتزاز، مما يعني أن وجهتي في المسار الموفق الذي انتقيته بمحض إرادتي وبعناية فائقة موفقة إلى حد كبير.
ثانيها: يقال إن الرواية بنت الحول، ولا تحتوي على قالب معين بل للكاتب الحرية في فرض الإيقاع الذي يراه مناسبا لنصه، لذلك أرى أن إيقاعي في راوية عيشتو مميز، بعيدا عن الأسلوب وانتقاء الكلمات وخصائص السرديات المعاصرة التي لابد للروائي أن يلتزم بشروطها لأنها تشكل الفارق في جودة النص.
ثالثها: أي كاتب شاب يطمح أن يكون ضمن قوائم الجائزة الكبرى آسيا جبار طويلة كانت أو قصيرة، لأنها تعطيه دفعا متميزا لنبض قلمه ولفرض إيقاعه وأسلوبه وفكرته في شوارع الأقلام المزدحمة وفي عوالم السرد، ناهيك إن كان نصه الأول وباكورة أعماله في المجال الإبداعي فذاك شأن آخر وقيمة أخرى وامتياز استثنائي يشكل فارقا شاسعا.
صدرت لك رواية ثانية في نفس المدة بعد صدور الرواية الأولى لماذا اخترت نشرهما في وقت واحد تقريبا ؟
اخترت الزمن الواحد لإصدار عملين مختلفين في الفكرة والنص ومتفقين في الجنس والميزة لعدة أسباب:
أولها: عملي الأول رواية عيشتو _ ريم الرڨيبات_ تزامن مع رواية أمقوس _ ملحمة ألون الطين_ ، حتى أوضح للمتلقي أني كتبت من الداخل ومن الخارج، فمن الداخل رواية أمقوس لأنني أنتمي للمجتمع المتحدث عنه في متنها، ورواية عيشتو من الخارج كوني لا أنتمي للمجتمع المتحدث عنه، فالجميل في الأمر أن المجتمعين المختلفين تحضنهما الصحراء، فتحدثت في النصين عن المسكوت عنه من طابوهات ووقائع وأحداث تعطي للقارىء ذلك الشغف لإكمالهما في جلسة واحدة، وكلا المجتمعين التواتي أو الحساني من بين المجتمعات المحافظة جدا، فلعذريتهما وجدت نفسي متشعبا بين شُعب من الطقوس والعادات والتقاليد المدفونة التي وجب أن يسقيها نبض قلمي في قالب مرموق يليق بمقامها ويرضي تطلعات وانطباعات القارىء وحُكم النقاد والمتضلعين بجنس الرواية.
ثانيها: اخترت التوقيت المناسب لإصدار العملين قبل الإعلان عن الجائزة حتى أشارك برواية عيشتو وأترك الأخرى في الوسط الصحراوي تحصد الانطباعات والأصداء، والحمد لله لقي النصان استحسانا متميزا.
ماهي حظوظ الروايتين في قائمة تصدرتها كل من دار“ميم” و“خيال“؟
حظوظ الروايتين في قائمة دار خيال واضح وجلي، فلقد اتفقت منذ بداية الأمر مع الدار لترشيح رواية عيشتو لاختلاف إيقاعها وجمال نصها وتميز فكرتها، حتى أن دار خيال للأمانة لا ترشح أي عمل كان، فلابد أن يتسم نص المرشح بعدة سمات ومميزات تجعله في مطلع مقدمة النصوص المرشحة، وهو ما ميز نص عيشتو وجعله ضمن القائمة الطويلة للجائزة، فكان الترشيح من نصيب النص والتميز بحجزي مقعدي بين أقلام الكبار كان تغذية رجعية وأثر جميل.
حدثنا عن “عيشتو وأمقوس؟
العملان مختلفان في الطرح والقولبة والنص والإيقاع. رواية عيشتو تحكي عن تلك الفتاة الطموحة التي عاشت في كنف عائلتها كأي طفلة حسانية، المميز فيها أنها كانت الاستثناء الصارخ في المجتمع الحساني لأنها كانت تبحث عن أشياء تحقق بها انتماءها وذاتها، وكل هذا وفق مشاعر الشغف، والفرح والحزن والحب، بمعية تلك الدسائس المختلفة التي يستوجب على القارىء أن يفك شفرتها لفهم النص وإيقاعه ومميزاته.
رواية أمقوس في نصها يوجد ذلك الحب المولود من رحم المعاناة، ذلك الزواج الذي يختار دفة العرف ليحاربها، فالرواية عرت على واحد من أكبر الطابوهات في المجتمع التواتي وهو الزواج بين طبقات المجتمع الواحد، حين يهزم الحب العرف وتشتعل نيران أمقوس بين ردود أفعال مؤيدة ورافضة للأمر.
تغوص عيشتو في العادات والتقاليد الحسانية حدثنا أكثر عن الموضوع؟
رواية عيشتو غاصت في بحور عادات وطقوس المجتمع الحساني، رغم أن مجتمع البيظان من بين المجتمعات العذراء التي لم تلق ذلك الاهتمام الكبير من طرف الباحثين، وكونه مجتمعا محايدا، محافظا بثقافته وتراثه وموروثه، إلا أنني حاولت قدر المستطاع أن أنتف منهم ما وفقني فيه الله، عيشتو تلك الفتاة الطموحة التي تنتمي إلى مجتمع الناقة، حيث حملت على عاتقها ثقافة بني جلدتها وجالت بها وصالت بها الأصقاع والحواضر، عيشتو تلك الفتاة التي وجدت في حياتها مطبات مختلفة، كسرتها ووثبت عليها لتصنع من نفسها تلك المرأة الحسانية التي تثور لوطنها على طريقتها الخاصة كنوع من الانتقام غير المسبوق.
هل نستطيع القول ان عشتو كسرت الطابوهات؟
لنص عيشتو عدة دسائس معجونة في عتبتها النصية وحبكتها وإثارة متنها، تلك الدسائس معظمها طابوهات، لأنني تركت للقارىء ذلك الفراغ بين السطور الذي يمليه بالأفكار الملائمة لإكمال نسق وسياق النص، فالرواية في أسلوبها سهلة سلسة لها تأثيث وتسلسل رهيب يفهمه القاصي والداني، لكن تلك الدسائس تتطلب قارئا نموذجيا يفك شفرة المدسوس فيها بين سرايا النص من أفكار وأسرار، فالمتعارف عنه أن رأي القارىء يعد انطباعا ورأي الناقد حكما، فانطباعات القراء من المجتمع الحساني طيبة أغلبيتها ثمنت العمل.
توظيف رهيب للتراث الصحراوي وتسليط الضوء على عادات وتقاليد سكانها في كتابات أبنائها ..مثلا عبد الله كروم الزيواني طلباوي وأنت؟ هل هو انتصار للصحراء الهوية التراث… ؟؟ كيف تجد الأمر؟
توظيف التراث في نص الرواية الصحراوية هو بمثابة حقنة مُطعمة بعادات وتقاليد شعب صحراوي كافح لأجل بقائها حينا من الدهر ومازال شرعها باقي أجيال بعد أجيال، فعدة جزئيات هي من جعلت نوابغ الصحراء ينتصرون لجلالة الرمل وسلطانة الصحراء، منها حب الانتماء وجودة تلك الطقوس والعادات وعظمة تلك التقاليد، وتوظيفها هو ما جعلها تنتصر في نصه ويثمنها غيره عندما يستطعمها في القالب السردي، أنا أرى من وجهة نظري، أن انتصار الصحراء في جنس الرواية والقوالب السردية عموما، يكمن في قوة الأسلوب والتأثيث والإيقاع وجودة الفكرة وتطعيمها بالموروث المادي والمعنوي ووجود مميزات الرواية في النص، حتى استطاع هولاء النوابغ فرض إيقاعهم وعلو كعبهم وانتصارهم لأمهم الصحراء.
التدوينة الروائي عبد القادر بن جعفري لـ”الحوار”: رواية “عشتو” مملوءة بالدسائس معظمها “طابوهات” ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.