بقلم: الطيب توهامي/منتج.. مخرج وسيناريست

شاهدت مسلسل “عمر” لمخرجه حاتم علي وكاتبه الدكتور وليد سيف، وإنتاج مشترك بين مؤسسة أم بي سي ومؤسسة قطر للإعلام، منذ 13 عاما. وها أنا اليوم أشاهد أولى حلقات مسلسل “معاوية” للمخرج أحمد مدحت وكاتبه محمد اليساري وبعض السيناريست الآخرين، وهو من إنتاج وتنفيذ مؤسسة أم بي سي. العملان الدراميان من أضخم الأعمال الإنتاجية التاريخية الدينية، سُخِّرت لهما كل الإمكانات المادية، لعرض أحداث تاريخية دسمة، تتعلق بشخصيات إسلامية غيرت مسارات التاريخ، وأثرت أيما تأثير في التأسيس للخلافة الإسلامية. يتعلق الأمر بثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، وأول الخلفاء الأمويين معاوية بن أبي سفيان. ورغم كل أدوات النجاح التي توفرت للعملين، إلا أنني أرى أن عقدة مصطفى العقاد الذي أخرج لنا رائعته “الرسالة” تلقي بظلالها على أي عمل تاريخي، يتناول سيرة الرسول الأعظم أو فترة منها.

المخرج الكبير الراحل حاتم علي الذي تألق برائعته ملوك الطوائف، في اعتقادي، لم يوفق في مسلسل عمر، ولم يحقق ذلك الانتشار الذي أراده المنتجون، ووقع المرحوم حاتم علي أسير الرؤية الفنية للراحل مصطفى العقاد، ولم يستطع إحداث نقلة فنية بمُشاهد ظل مبهورا بالمستوى الفني لفيلم الرسالة، الذي ترسّخ في ذهنه كسردية يصعب تجاوزها. دخل مسلسل “عمر” في مقارنات فنية كثيرة مع فيلم “الرسالة”، ولو أنه نقديا من الظلم والإجحاف مقارنة فيلم سينمائي كبير بمسلسل درامي. الراحل حاتم علي هو نفسه لم يتمكن من تجاوز الرؤية الفنية لابن بلده الراحل مصطفى العقاد، كما لم يتمكن السينارسيت الموهوب الدكتور وليد سيف من خلق سرديات فنية في السيناريو، يمكنه من خلالها تجاوز فيلم الرسالة.

أما مسلسل “معاوية” الذي يأتي ليرسخ سردية أهل السنة، مثلما حاول ترسيخها من قبل مسلسل “عمر”، ومؤسسة أم بي سي سباقة في هذا الميدان، لتمويل إنتاجات ضخمة تتعلق بهذا الخط السياسي الذي دأبت على رسمه في إستراتيجيتها الإعلامية التي انتهجتها، مع تعاظم المد الدرامي الشيعي في المنطقة. من أول حلقة نستطيع أن نقول إن القائمين على الرؤية الفنية للمسلسل لم يتمكنوا هم كذلك من الخروج من “المخيال العقادي”، خصوصا في البدايات المرتبطة بسيرة الرسول الأعظم، كما أن عقدة مصطفى العقاد تلازم المخرج أحمد مدحت، وما استطاع أن ينفك منها بأن يأتي بمقابل إبداع يتجاوز هذه الرؤية. وحتى لا نظلم المسلسل الضخم، ونقيمه من حلقة واحدة أو حلقتين، سنبقى نرصد الخط الدرامي والفني للمسلسل حتى آخر حلقة، لنتمكن من تقييمه بشكل موضوعي.

وتبقى بعض الهنات المرتبطة باللباس والأكسيسوارات والحوارات تحيلنا مباشرة على فيلم الرسالة، الذي نجح في تلك التفاصيل الصغيرة في الاكسيسوارات والديكورات والملابس التي أضفت الروح العربية على العمل الإبداعي، وحققت له مستو عال من الأصالة التي نفتقدها اليوم في الأعمال الدرامية الضخمة.

نحن اليوم كعرب، بحاجة إلى إبداعات درامية تحقق الرؤية الأصيلة، والروح العربية في تفاصيل السردية الدرامية لأي عمل، فمن غير المعقول أن نعتمد على عنصر الإبهار في رسم معارك كبيرة بتقنيات كوريغرافية مبتكرة، لكن في النهاية تنعدم فيها روح القتال والجهاد عند المسلمين والعرب. من العيب أن نشاهد معركة ضخمة صرفت عليها أموال ضخمة، لكن في جوهرها لا تختلف عن معركة من معارك الأفلام التاريخية أو الفنتازية الهوليودية، وهذا في اعتقادي ما نجح العقاد في رسمه في فيلم الرسالة في نسخته العربية، فعندما تشاهد عبد الله غيث في دور حمزة على فرسه، تشعر بتلك النخوة العربية، وعندما تتعمق في حوار حمدي غيث في دور أبي سفيان مع زوجته منى واصف في دور هند أو مع سادة قريش تدرك دهاء الشخص ومرونته في التعامل مع الأحداث، وخبثه في أحيان أخرى لتمرير فكرته. هي الروح العربية التي جسدها العقاد رحمه الله، من خلال سردية بصرية نادرة قلما يجسدها مخرج آخر في زمننا هذا.

التدوينة عقدة مصطفى العقاد ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.