كما ان السيد زحزاح, الذي يقدم صورة مجردة له, قد سعى إلى إظهار التزام هذا الطبيب الإنساني, مركزا خاصة على مروره بمستشفى جوان فيل بالبليدة حيث سخر كل جهوده من اجل معالجة و مداواة مرضاه المسلمين و تحسين و أنسنة الممارسات النفسانية التي كانت سارية حينها, و محاربة العنصرية السائدة في المؤسسة.
لقد كان المستشفى يشبه أكثر مركز احتجاز منه إلى هيكل صحي, حيث لا يتم قبول المرضى أو ما يعتبرون كذلك (لم يكن الامر دائما كذلك) إلا لعزلهم أكثر سيما عن "العالم المتحضر", و بالتالي التخلص من مشاكلهم المزعومة.
و كان هذا الأخير, مقسم حسب عملية فصل حقيقية للمرضى, حسب عرقهم الأوروبي أو المسلم و بالتالي تحديد طبيعة العلاجات الطبية التي يتم وصفها لهؤلاء او لهؤلاء.
و بعد توليه منصبه كرئيس مصلحة, سعى بعزيمة كبيرة إلى تغيير أو حتى إحداث ثورة في الممارسات معتمدا طبيا على مقاربات أكاديمية جديدة تقوم على مفهوم "الطب النفسي العرقي" و الذي أعطى نتائج ملموسة.
و قد أرفق هذا المسعى بإنشاء عديد الهياكل و النشاطات الاجتماعية و المجتمعية (إنشاء مقهى عربي و الاحتفال بالأعياد التقليدية و الخرجات و القصص و الأشعار الخ) كلها تسهم في العلاجات و التي لها علاقة بالعلاج الاجتماعي.
و لكن السيد فانون لم يتوقف عند هذا الحد, حيث كان رئيس مصلحة مقرب من مرضاه و مستخدميه, حيث كان ملتزما فكريا و سياسيا بنضال اكبر يتمثل في مكافحة الاستعمار و الإدماج و العنصرية, حيث جعل منه قضيته إلى غاية وفاته في سنة1961 جراء سرطان الدم, لقد كان ثوريا إلى أقصى الحدود.
و قد قال في كتابه "المعذبون في الأرض" في سنة 1961, قبل أيام من وفاته, عن عمر 36 سنة, أن "الاستعمار ليس آلة تفكير, و ليس جسدا يتمتع بالعقل, انه العنف في حالته الطبيعية و لا يمكنه الرضوخ إلا لعنف اكبر".