و انتقلت المطربة شريفة من أقبو (بجاية), حيث انطلقت موهبتها لأول مرة, ثم إلى الأولمبياد والزينيت بالعاصمة الفرنسية باريس, أين ترسخ بعدها العالمي, بعد مرورها بالجزائر العاصمة في الإذاعة الوطنية, حيث صقلت مهاراتها الفنية واكتسبت شهرتها بأم الطرب (أشويق) وحققت مسيرة فنية متميزة ومثيرة للإعجاب.
وواجهت صاحبة رائعة "آنزور الوالي" في كثير من الأحيان, كل التحديات والعثرات التي وقفت في طريقها, خاصة في بداياتها خلال الفترة الاستعمارية, عندما كان الغناء ممنوعا عن المرأة إلا في إطار عائلي أو احتفالي.
ووصفت الأنثروبولوجية تسعديت ياسين المطربة شريفة وكذا المطربة حنيفة التي كانت أيضا بارزة على الساحة الفنية آنذاك, بـ"الثورة الاجتماعية", لا سيما من خلال تقديمها لبرنامج إذاعي بعنوان "أورار لخلات" (مهرجان المرأة), الذي كان له الفضل في الكشف عن إبداع نسائي أصيل .
وأضافت تسعديت ياسين أن الفقيدة "غنت للحب ولكل ما عاشه مجتمعها خارج التقاليد و كان لابداعها الفني أساس اجتماعي وسياسي قوي, ولذلك التزمت أيضا بمعارضة الاستعمار بفنها", مشيرة إلى "الثراء الشعري والموسيقي" في أغاني شريفة.
ولقد ولدت نا شريفة في يناير 1926 في ألماين بولاية برج بوعريريج, وتركت إرثا يتكون من حوالي ألف أغنية, منها 800 أغنية مسجلة والباقي ضاع مع الزمن وصار يردده فنانون غير مشهورين.
ومن بين أروع أغانيها, بعض المقطوعات الموسيقية التي ظلت تغنى في كل بيت ريفي وفي كل المناسبات الاحتفالية لعقود من الزمن حيث لازال يتغنى بها الجيل الجديد بكل اعجاب.
ومن بين هذه الاغاني, "بقى على خير آياقبو" بمعنى "الوداع إلى الأبد", و"آيا زرزور" و"إيضاق أروح" و "الزين اللقبايل" وغيرها , معظمها مسجل بداية من 1952, ورغم ذلك لا تزال رائجة وتحظى بشعبية كبيرة وتمتع الجمهور بنفس الشغف.
لقد كانت مسيرة نا شريفة الفنية فريدة من نوعها, لكنها كانت أيضا مسيرة غنية بالأحداث, وتثير قصة حياتها الفضول ويمكن أن تكون مادة لقصص سينمائي .
ففي صغرها, كانت المطربة يتيمة الأب والأم, وعاشت في ظروف اجتماعية صعبة للغاية, مثلها مثل بقية الاطفال والشباب الجزائريين في عصرها, حيث كانت تعاني من الحرمان ومن ظلم الاستعمار, وتكتفي بالغناء في الحقول أين كانت ترعى الغنم, لكنها أدركت أن لديها موهبة فقررت أن تستفيد منها إلى أقصى حد.
غادرت شريفة قريتها الأصلية وهي في الثامنة عشرة من عمرها وانتقلت إلى منطقة أقبو المجاورة حيث خطت خطواتها الأولى قبل أن تسافر إلى الجزائر العاصمة اين عاشت سنوات عديدة عملت خلالها في الإذاعة, لكنها غادرتها منهكة بسبب صعوبات مالية.
وبعد سنوات , رحلت نا شريفة إلى فرنسا قبا أن تعود إلى الجزائر وتنطلق مجددا في عالم الفن في السبعينيات.
ولم تكتف نا شريفة بالغناء فقط, بل تبنت رسالة نبيلة في حياتها إذ كانت حريصة على مساعدة المحتاجين وخاصة الأيتام الذين كانوا يذكرونها بوضعيتها عندما كانت طفلة.
وعاشت بعد ذلك بقية حياتها في الجزائر العاصمة حتى وافتها المنية يوم 13 مارس 2014 .