عمان- لا يعد الانسحاب دائما هزيمة، أحيانا يكون خيارا لحفظ الود وإنهاء الجدالات العقيمة وتجاوزا لخلافات كبيرة قد تقود إلى القطيعة. أن تنسحب لا يعني أنك شخص ضعيف، بل قوتك تكمن في تقديرك للأمور ومعرفة الوقت المناسب لتتوقف عن أي حوار لا فائدة منه سواء مع الأهل أو الأصدقاء أو في العلاقات الزوجية وحتى المهنية، قرارك الذكي بالانسحاب يبرهن على مدى الوعي لديك وتمسكك بالأشخاص من حولك. تحترم رانيا (26 عاما) طريقة والدها في معالجة المواقف والمشادات الكلامية التي تحدث بينهم كعائلة، تقول "من الطبيعي أن نختلف وأن يكون لكل شخص منا وجهة نظر خاصة به قد تتعارض مع الآخر، لدرجة أننا أحيانا قد نحتد على بعضنا بعضا، لكن سرعان ما نهدأ ونعاود النقاش بشكل سلمي وحتى لو لم نصل إلى نقطة اتفاق، يظل الاحترام سيد الموقف ونختار الانسحاب بذكاء بدلا من التصعيد". وتشير إلى أنها تعلمت من والدها منذ أن كانت صغيرة كيف تستمع لكل وجهات النظر وتتفهمها حتى وإن لم تأخذ بها، كما أنها بسبب قربها الشديد منه استطاعت أن تكون محاورة ذكية تقدر الأمور وتعرف جيدا متى تنسحب من أي حوار لا نهاية له ولا تتوقع منه أي تغيير؛ لأنه بحسب رأيها يدور في حلقة مغلقة لا تترتب عليه أي نتائج، وتبين أن سياسة الانسحاب الذكي أنقذتها من مشكلات كبيرة، تحديدا على صعيد العمل، ومكنتها من أن تحل خلافاتها بالود والاحترام، الأمر الذي أكسبها محبة الجميع. أما أيمن صالح، فيؤكد أن الانسحاب في بعض الحالات يعد دليل قوة وانتصار وينم عن وعي حقيقي، وخاصة بين الأزواج، يقول إن علاقته بزوجته قوية وفيها من الصراحة والصدق ما يجعلها متزنة، لكن ذلك لا يمنع من وجود خلافات يومية نتيجة ضغوطات الحياة. ويوضح أن الحفاظ على المودة أهم بكثير من تلك الردود الانفعالية والمحملة بالغضب واللوم وتراشق الاتهامات، وهذا تماما ما يحاول تفاديه مع زوجته حتى لا تأخذ المشاكل شكلا آخر ويصبح التراجع قرارا صعبا، لذلك يحرص أيمن دائما على استخدام الخيار السلمي والميل للتهدئة، وفي حال وجد أن الاستمرار في النقاش قد يزيد الأمر تعقيدا، يلجأ إلى الانسحاب فورا وتأجيل النقاش لوقت آخر يكونان فيه أكثر حكمة وهدوءا، لافتا إلى أن المنتصر في مثل هذه المواقف من يحكم عقله وضميره ويكون أكثر وعيا. من جانبه، يرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن الإنسان الواعي القوي هو من يعرف كيف يكون محاورا ذكيا ولديه القدرة على إدارة النقاش ضمن حدود الحكمة والاحترام وعلى اختلاف نوع العلاقات. ويضيف "أحيانا يحتدم النقاش ويتحول ليصبح أشبه بالمعركة الكلامية التي يحاول فيها كل طرف من الأطراف إثبات رأيه وأن كل ما يقوله هو عين الصواب متجاهلا آراء الآخرين، وبدلا من التصعيد وجر الأطراف إلى أماكن لا يريدون الوصول إليها، هنا يتوجب الانسحاب كحل سلمي ليس هزيمة أو ضعفا، بل انسحاب هادئ لا يستفز أحدا ويقلل من حدة التوتر، كأن ينتهي النقاش برسم ابتسامة عابرة لتلطيف الجو وإرسال رسالة مفادها بأن المحبة أقوى من أي خلاف، كما يسمح الانسحاب الذكي بمراجعة الأوراق، بالإضافة إلى أنه يدعم استمرار العلاقات مع الآخرين". ووفق مطارنة، فمن الضروري أن نعي أن اتباعنا لسياسة الانسحاب الذكي في علاقتنا مع الدائرة المقربة وتجنب المواجهات الفورية هو شكل من أشكال القوة التي تتطلب الحكمة والذكاء، إضافة إلى قراءة المواقف بعمق واختيار الوقت المناسب للانسحاب. ويبين أن فكرة الابتعاد المؤقت والانسحاب لأجل تجنب المشاكل والأضرار هي الفكرة التي يدور حولها الانسحاب الإيجابي الذي لا يمكن إدراجه تحت خانة الضعف، كما يعتقد البعض، ويؤكد أن انسحاب