تشعر إسرائيل الآن بأن السماء هي حدود هجماتها، واحتلالاتها، والقتل والدمار اللذين تستطيع زرعهما. وليس ثمة من يوقفها. لم تقف من قبل، مطلقا، أمام مَرامٍ خالية كما تفعل الآن. وهي مقتنعة بأنها قد أتيحت لها فرصة حياتها لتضرب بلا رحمة. * * * لقد عادت الغطرسة الإسرائيلية، وعادت بحجم كبير. من كان ليصدق أنه بعد مرور سنة كاملة على أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، يمكن أن تعود الغطرسة، وبمثل هذه المقاييس؟ تفكر إسرائيل: بعد أن هزمنا حماس ودمرنا قطاع غزة، ها نحن نهزم حزب الله وندمر لبنان الآن، ونضع أنظارنا على إيران. في السجال الإسرائيلي، أصبحوا يتحدثون عن تغيير النظام هناك أيضا؛ عن اغتيال علي خامني والمفاضلة بين قصف المنشآت النووية ومنشآت الوقود. أصبحت إسرائيل في حالة غرور متغطرس. من الحضيض وانكسار الروح إثر هزيمة 7 تشرين الأول (أكتوبر) التي شبهوها بكارثة يهود أوروبا إلى قمم العجرفة والحديث عن تغيير أنظمة حكم وترحيل شعوب في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهذا كله في غضون سنة واحدة فقط. لكن هذا سينتهي إلى البكاء والدماء. فطبيعة الغطرسة، بحكم تعريفها، أنها تنتهي بكارثة. وطبيعة مثل هذه التقلبات الحادة، من الكارثة المتخيلة إلى الانتصار المتخيل، أنها تنتهي بالانهيار. في الأثناء، يفر ملايين بني الناس هاربين من وجه الجيش الإسرائيلي، مهجرين، مشردين، لاجئين، معوزين، عاجزين، مصابين، أيتاما وعجزة معاقين في قوافل المعاناة التي لا نهاية لها في قطاع غزة ولبنان -وقريبا في الضفة الغربية، وربما في إيران أيضا. لم يحدث من قبل، قط، أن فر هذا العدد الهائل من الناس خوفا من إسرائيل، ولا حتى في نكبة العام 1948. ولن ينسى هؤلاء الناس، أبدا، ما فعلته بهم إسرائيل. وهذا لا يسبب لإسرائيل والإسرائيليين الارتياح والاعتزاز الوطني والفرح فحسب، بل يثير فيهم نشوة القوة على نحو لم يشهدوا له مثيلا من قبل -وليس منذ العام 1967 بالتأكيد. النجاحات العسكرية، مهما كانت مبهرة ومثيرة للإعجاب، تأخذ إسرائيل إلى الجنون وتفقدها صوابها: كيف قمنا بتفجير أجهزة الاستدعاء (البيجرات)، وكيف اغتلنا، وكيف وكيف... يا لها من روعة. وقد يجسد الهجوم (المتوقع) على إيران هذا الشعور. لكن الإنجازات العسكرية ليست كل شيء. إذ، ماذا بعد ذلك؟ تشعر إسرائيل بأن السماء هي حدود هجماتها، واحتلالاتها، والقتل والدمار اللذين تستطيع زرعهما. وليس ثمة من يوقفها. لم تقف من قبل، مطلقا، أمام مَرامٍ خالية كما تفعل الآن. وهي مقتنعة بأنها قد أتيحت لها فرصة حياتها للضرب بلا رحمة. واحدا تلو الآخر تهاوت الأبراج الورقية التي كنا نخاف منها: القذائف من غزة، الصواريخ من لبنان، الصواريخ الموجهة من اليمن والصواريخ الباليستية من إيران لم تعد تثير قلق أحد. حتى أن عجز المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، يعزز هذا الشعور بالسكْر. بالإمكان فعل كل شيء؛ تحرك، تحرك، نهاية، حتى اللانهاية. يبدو لإسرائيل أنها تستطيع الاستمرار، بلا أي عائق، في حملات الاحتلال والعقاب الجنكيزخانية الخاصة بها. الولايات المتحدة تتوسل، لكن توسلاتها لا تثير لدى الإسرائيليين أي اهتمام. لكن من الممكن، أيضا، أن يتضح أن جميع انتصاراتها المذهلة ليست سوى فخ عسل مصيري، مثل الانتصار المُسكِر في العام 1967، الذي ما تزال إسرائيل تجني ثماره الفاسدة حتى هذا اليوم. وقد ينتهي ما يبدو وكأنه قدرات عسكرية غير محدودة بانتصار بيروسي باهظ الثمن. في قطاع غزة، تواصل إسرائيل التنكيل بملايين الناس التعساء -حتى بعد أن أعلنت أنها نجحت في إخضاع حماس عسكريا. لماذا يواصلون؟ لأن ذلك ممكن. وقريبا، سيك