لا يحتاج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمناشدات المستشارة القانونية كي يفهم بأنه لو كان أقام لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضي عليا، لكان احتمال إصدار أمر اعتقال ضده صغيرا جدا. هو يفهم هذا على نحو ممتاز بقواه الذاتية. سنوات وهو يخطب ويقول ويطالب ويروج هنا على مسامعنا لأهمية قوة جهاز القضاء الإسرائيلي. هو يعرف "مبدأ الاستكمال"، الذي منع حتى اليوم هيئات قضائية دولية من أن ترفع لوائح اتهام ضد زعماء إسرائيليين. فقد اعطى العالم ثقة بالجهاز المستقل لدينا ولم يرَ من الصواب التدخل. اعتمد على أن تكون إسرائيل هي التي تفحص ذاتها. وبالفعل، ليس بعد اليوم. هذا انتهى. من أنهى هذا، هو المتهم نفسه بنيامين نتنياهو. والآن، مع التهنئة، هو متهم دولي. في إسرائيل وفي الخارج أيضا. ولا يوجد ما يدعونا إلى الشماتة. أمر الاعتقال الذي صدر ضده وضد يوآف غالنت هو نذر سيء لنا جميعا. هذا الأمر لا يعرض للخطر فقط حرية وحرية حركة نتنياهو وغالنت فقط بل يبيح دماءنا جميعا. هو خطوة إضافية في تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة. نحن سنشتاق لامستردام. هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة الدولية أوامر اعتقال ضد زعماء دولة ديمقراطية. إن انهيار إسرائيل من مكانة دولة قانون غربية متنورة إلى مكانة دولة فاشلة ومشكوك أن تكون ديمقراطية بدأ بالانقلاب النظامي الأهوج من مدرسة لفين وروتمان. لا يوجد في العالم رجل قانون محترم لم يشرح هذا لنتنياهو ولنا جميعا. لكنهم واصلوا بقول القوة. بعد ذلك جاء 7 تشرين أول (أكتوبر)، ومع أن إسرائيل تلقت الكارثة والإخفاق الأكبرين في تاريخها إلا أنها امتنعت عن إقامة لجنة تحقيق مستقلة فقط لأن رئيس وزرائها يحاول أن يتملص من مسؤوليته. وهكذا، مثلما جاء الانقلاب إلى العالم كي يفر نتنياهو من ربقة حكم ملفاته الجنائية، هكذا لم تأت لجنة التحقيق إلى العالم كي يهرب نتنياهو من مسؤوليته عن 7 تشرين أول (أكتوبر). نحن محبوسون داخل حملة تهرب نتنياهو الذي يجر معه دولة كاملة إلى الهوة. قرار أول من أمس إصدار أمر اعتقال ضده، رفع له، لأول مرة، الحساب. الحقيقة هي أن أوامر الاعتقال لا تعنى تقريبا بالقتال نفسه للجيش الإسرائيلي، بل بالموضوع الإنساني. هنا، يمكن أن نفهم بأثر رجعي استجداءات إدارة بايدن على مدى سنة الحرب، في مسعى لإقناع إسرائيل بأن المساعدات لا تستهدف فقط الفلسطينيين، بل تستهدفها هي نفسها أيضا. عباقرة الجيل في طرفنا تنافسوا الواحد مع الآخر في الإعلانات المتبجحة عن التجويع والترحيل والإبادة والعمالقة وماذا لا. والأكثر اغاظة هو أن في الميدان نحن بالفعل ندفع إلى غزة بمساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار في الشهر. ورغم ذلك تقرر إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع. بكلمات أخرى، أكلنا السمك الفاسد وطردنا من المدينة (واعتقلنا) على حد سواء. السلوك الإسرائيلي في هذا الموضوع حطم كل الأرقام القياسية في الغباء. نحن ندخل مساعدات بيد، ونصرخ وكأننا لا ندخل المساعدات باليد الأخرى. على الطريق، تجرف حماس 25 % من قيمة المساعدات الإنسانية إلى صندوقها. لقد كان لترامب ونتنياهو توافقا هادئا غير مكتوب تحقق في أثناء الاتصالات المتواصلة التي أدارها مقربوهما في الأسابيع وربما الأشهر التي سبقت الانتخابات في الولايات المتحدة: إسرائيل لن تسمح بإنجاز مهم (كوقف نار في لبنان) لإدارة بايدن قبل الانتخابات وستبذل جهدا عظيما لإغلاق الجبهات الفاعلة أو واحدة منها على الأقل بعد الانتخابات، قبل أن يدخل ترامب إلى البيت الأبيض. البضاعة التي وعد رجال ترامب بتوفيرها هي "معالجة" ترامبية للمحكمة الدولية في لاهاي تردعها