عمان - في صالة مظلمة إلا من وهج الشاشة الكبيرة، جلسوا في صفوف متراصة، أعينهم معلقة على الصور المتحركة أمامهم. لم يكن هناك همس، ولا ضحكات تتسلل بين المقاعد. فقط صمت مشحون بالترقب، صمت يحمل ثقلا وعمقا، كأنه جزء من القصة نفسها.
على الجانب، وقف شخص بيدين تنسجان حكاية مخفية لا تسمعها الآذان. كان يترجم الصوت إلى إشارات، والإشارات إلى حياة. تلك اللحظات كانت مزيجا غريبا ومذهلا؛ الشاشة تروي بلغة الصورة، والمترجم يضيف صوتا صامتا بلغة الإشارة، والجمهور يتلقف هذا التناغم بكامل حواسه.
الغريب أن الصمت لم يكن حاجزا. كان الأمر وكأن الفيلم يملك قدرة عجيبة على التحدث بلغة الجميع. حركة الكاميرا، ارتجاف الضوء، تعابير وجوه الممثلين، وحتى أبسط التفاصيل، كصوت الريح الذي لم يسمعوه ولكن رأوه في حركة أوراق الشجر، كانت كافية ليعيشوا التجربة.
بين حين وآخر، كانت ابتسامة صغيرة تظهر على وجه أحدهم، أو نظرة تزداد عمقا، كأنهم يفككون رموز الصورة ويعيدون تركيبها بلغتهم الخاصة. غياب الصوت لم يُفقد السينما جمالها، بل أضفى عليها بعدا جديدا من التواصل الصادق والمباشر.
هذا المشهد ليس خياليا بل واقع مرسوم في نادي سينما الصم الذي ولدت فكرته من تجربة فيلم Amplified (سكون)، الذي أخرجته المخرجة الأردنية دينا ناصر. يحكي الفيلم قصة هند، فتاة صماء تبلغ من العمر 11 عاما وتحترف رياضة الكراتيه. تتغير حياة هند فجأة عندما تتعرض للتحرش من مدربها، لتبدأ رحلة شاقة لاستعادة الثقة والتحرر من الألم.
نادي سينما الصم ليس مجرد مكان لعرض الأفلام، بل هو مشروع إنساني يهدف إلى منح الصم تجربة سينمائية متكاملة. بالتعاون مع مترجمي لغة الإشارة، تُعرض الأفلام بطريقة تتيح للصم الاستمتاع بها وفهمها. يتم اختيار الأفلام بعناية، بالتواصل مع المخرجين للحصول على حقوق عرضها وترجمتها.
العروض بدأت بفيلم "جزائرهم" للمخرجة لينا سويلم، ثم فيلم فراولة الفلسطيني للمخرجة عايدة كنعان، وفيلم برتقال من يافا للمخرج محمد المغني.
وأصبح النادي أكثر من مجرد مساحة عرض، بل تحول إلى جسر يصل الصم بالعالم من حولهم، حيث وجدوا في السينما لغة عالمية تتحدث إليهم وتعبر عنهم، فبالنسبة لآمنة سعيد، كانت السينما حلمًا صعب المنال. كفتاة صماء، لم يكن حضور الأفلام تجربة يمكنها التفاعل معها بسهولة. تصف تجربتها السابقة قائلة: "في البداية، لم أكن أفهم ما يجري في الأفلام، خاصة في مشاهد الفرح أو الحزن. كان الأمر أشبه برؤية صور متحركة بلا معنى."
ولكن مع ظهور نادي السينما وتوفير مترجم للغة الإشارة، تغيرت التجربة تماما. تقول آمنة: "أصبحت قادرة على فهم القصة كاملة، بل والعيش مع شخصياتها. السينما بالنسبة لي أصبحت نافذة أرى من خلالها الحياة وتجارب الآخرين. لم أكن أتخيل أن أعيش تجربة مشاهدة فيلم كما يفعل الآخرون، واليوم تحقق هذا الحلم."
آمنة، التي تميل للأفلام الواقعية، ترى في النادي فرصة لدمج الصم في عالم السينما، ليس فقط كمشاهدين، بل كجزء من مجتمع الفن والثقافة.
أصل فكرة نادي سينما الصم..
من تجربة إلى منصة
بدأت فكرة نادي سينما الصم من تجربة عميقة خاضتها المخرجة الأردنية دينا ناصر أثناء عملها على فيلم Amplified (سكون). كان الفيلم يعكس قصة واقعية عن فتاة صماء تدعى هند، وجدت نفسها في مواجهة مع أصعب التحديات، بما في ذلك التحرش وفقدان الأمان. العمل على هذا الفيلم لم يكن مجرد رحلة سينمائية، بل كان تجربة اجتماعية وإنسانية كشفت الكثير عن واقع مجتمع الصم.
تقول ناصر عن بداية الفكرة لـ "الغد":"خلال عامين من العمل على فيلم سكون، كنت على تواصل مباشر مع مجتمع الصم. رأيت عن قرب ا