لم تقتصر مواقع التواصل الاجتماعي على التعارف وتبادل الأخبار والمعلومات، ولا على استخدامها كمنابر جديدة للتعبير عن الأفكار والآراء ذات القيمة والأهمية، باعتبارها أداة تواصل سريعة ومتاحة للجميع، بل هناك من يحولها عمدا إلى ساحات حرب تشوه القيم وتؤذي الآخرين نفسيا وعاطفيا من خلال التعليقات السلبية التي يتبادلونها، وتحمل الكثير من السموم والتجريح.
استخدام هذه التعليقات كسلاح في حروب كلامية تفتقر إلى الأخلاق قد يجبر البعض في كثير من الأحيان على الكشف عن أسرار شخصية لا يحق لأحد الاطلاع عليها أو التحدث عنها. مثل هذه التعليقات قد تدفع بعض الأشخاص إلى الخروج إلى العلن والتحدث في أمور حساسة بهدف إيقاف الألسنة العابثة، وتوضيح حقائق قد تدمرهم داخليا لأنهم اضطروا لذلك.
التعليقات السلبية سم قاتل، كما تقول رندة جلال، التي تعبر عن ألمها الشديد من استقواء البعض بكلماتهم على أطفال أبرياء، لا ذنب لهم، من خلف الشاشات. هؤلاء يلقون بكل أفكارهم المسمومة وعقدهم النفسية على مرأى من الناس من دون أن يراعوا مشاعر من يؤذونهم بكلماتهم. وتلفت رندة إلى أنها تتأثر كثيرا عندما تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وتجد تعليقات جارحة تنتشر بلا مبرر، وأغلبها لا هدف لها سوى التجريح والإيذاء.
وتبين رندة أن ما يثير الدهشة هو أن القسوة لم تعد تعرف حدا، بل وصل الأمر إلى حد أن البعض يتفاخرون بها. ومن بين التعليقات المؤذية التي لم تستطع نسيانها، تعليق على إحدى صور الأطفال، موجه للأم: "ليش ابنك شكله غريب، مبين مش طبيعي؟"، مما دفع الأم للرد والكشف أن ابنها يعاني من مرض ما، رغم أن البوح بذلك كان أمرا صعبا عليها، إذ لم يكن سهلا أن تكشف أكثر ما يؤلمها لأشخاص لا تعرفهم ولا يهمهم وجعها. ومع ذلك، وجدت نفسها مضطرة للتبرير والدفاع عن طفولة ابنها من ألسنة لا ترحم.
تستنكر رندة جلال مثل هذه التعليقات، قائلة إن لكل شخص قصته الخاصة التي لا يعلم عنها أحد، ولذلك يجب على الجميع احترام خصوصيات الآخرين وتقدير آلامهم.
كما أن الشخصيات المشهورة لا تفلت من هذا النوع من التجريح؛ فهم الأكثر عرضة للتعليقات القاسية وغير الإنسانية لكونهم تحت الأضواء، وكل الأنظار تتجه إليهم. وفي هذا السياق، نجد العديد من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي يتسابقون في انتقادهم، واختراق خصوصياتهم، بل ويتطاولون عليهم بالشتم.
ومن بين هذه التعليقات المؤلمة، نجد عبارات تحتوي على تنمر واستهزاء، مثل تلك التي كتبت لأحد المشاهير بسبب وزنها الزائد. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعدى إلى التطفل على أمور شخصية وحساسة، مثل السؤال المؤلم: "لماذا لم تنجبي بعد؟"، هذا السؤال أجبر زوجها على الرد والدفاع عنها، موضحا أنه هو السبب وراء تأخر الإنجاب، ولا علاقة لها بذلك. في الحقيقة، لم يكن مضطرا لتبرير أمر شخصي لا يخص أحدا سواه، لكن كثرة التعليقات الجارحة والأسئلة الخالية من أي إنسانية دفعته للكشف عن حقيقة لم يكن مضطرا لمشاركتها مع الناس لولا الهجوم الكبير على زوجته. هي تستنكر مثل هذه التعليقات، تقول إن لكل شخص قصته التي لا يعلم عنها أحد، ولذلك احترموا خصوصيات الآخرين وقدروا أوجاعهم.
توضح مدربة المهارات الحياتية نور العامري، أن التعليقات السلبية تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للأفراد، وقد تصل إلى حد الإيذاء العاطفي. ويتضاعف هذا التأثير عندما يشعر الشخص بأنه مضطر للتبرير أو كشف أمور شخصية للدفاع عن نفسه أمام الجمهور.
ومن الأسباب التي تجعل هذه التعليقات مؤذية وتشجع على التبرير، الشعور بالمراقبة العامة؛ حيث تشعر التعليقات السلبية الشخص بأنه مستهدف أمام جمهور واسع، مما يزيد