إربد- قال أستاذ الفلسفة في جامعة فيلادلفيا د. زهير توفيق إن إشكالية العلاقة بين التراث والحداثة أو التحديث، تأخذ صيغًا متعددة مثل "الأصالة والمعاصرة"، "الأنا والآخر"، أو "الإسلام والغرب"، وتُعد من أهم القضايا التي شغلت الفكر العربي الحديث والمعاصر. وهي تمثل جوهر التحديات التي واجهت فكر النهضة العربية والمشروع الحضاري العربي.
جاء ذلك في ندوة حوارية نظمها ملتقى إربد الثقافي، وملتقى المرأة للعمل الثقافي، بعنوان "إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر"، وأدار الندوة، الدكتور حسين منصور العمري.
تساءل توفيق عن العلاقة بين التراث والحداثة أو التحديث؟ وهل يمكن صياغة مقاربة إجرائية أو نظرية تفسيرية للعلاقة بين الطرفين توفر صيغة توافقية لتوظيف المكونين في الحاضر على اعتبار أن الحداثة هي المعاصرة وروح العصر، والتراث هو الماضي الفكري أي محتوى الفكر العربي الإسلامي بغض النظر عن الفترة الزمنية التي يبدأ فيها التراث والزمن الذي ينتهي فيه.
ونوّه توفيق أن مصدر الإشكالية يعود إلى ازدواجية الغرب، الذي كان مصدرًا للحداثة والتحديث من جهة، وفي الوقت نفسه، كان رمزًا للاستعمار والإمبريالية من جهة أخرى. هذه الثنائية أدت إلى مواجهة العرب لواقع معقّد، حيث حمل الغرب وجهيْن متناقضين: أحدهما يمثل التقدم والتحديث، والآخر يمثل الهيمنة والتسلط.
وقال المحاضر إن التراث العربي يحمل وجهين مختلفين. الأول وظيفته الأيديولوجية والعاطفية، التي تهدف إلى تعزيز الإرادة والتماسك الاجتماعي، مع الاستفادة من تاريخ العرب المجيد، سواء الواقعي أو المتخيل، لتخفيف آثار الهزائم والتراجعات التي يمرّ بها العرب في الوقت الراهن. وهذا التناقض بين التراث والحداثة، وبين التحديث والاستعمار، يشكل محركًا رئيسا للصراع الفكري والثقافي في العالم العربي، وساهم في رسم معالم العديد من المشاريع الفكرية والسياسية التي سعت إلى معالجة هذه التوترات.
وتابع المحاضر: أما الوجه الثاني من إشكالية التراث، فيتمثل في البُعد المعرفي، حيث يسعى البعض إلى استلهام قيم التراث الحي – أو ما يُتصوّر أنه التراث الحي – في مختلف مجالات الأدب والفكر والعلم والفن، ودمجها مع الحداثة الكونية. هذا لا يعني تقليد الحداثة الغربية، بل يتجاوزها في بعض الأحيان، عبر العمل على إعادة إنتاج التراث ليواكب مستجدات العصر، من خلال تحديثه وعصرنته، أو حتى تبيئته ليتناسب مع السياق المحلي. كما يسعى البعض إلى توليد مزيج جديد من التراث والحداثة يرضي القوى الاجتماعية التي تدفع باتجاه كل منهما.
وأضاف توفيق تتضاعف المشكلة هنا وتصبح أكثر تعقيدًا؛ عندما يُستعمل التراث في سياق الأيديولوجيا كأداة للتحفيز والتعبئة في معركة الفكر والسياسة، ويختلف التراث العقلي الضروري للحوار مع الحداثة أو مع "غرب التحدث". الأول يهدف إلى القطيعة مع الماضي، بينما الثاني يسعى إلى التفاعل والحوار مع الآخر، في محاولة للتوفيق بين القديم والجديد.
ورأى المحاضر أنه في هذا السياق، تكون الأنا العربية في موقف صعب، إذ لا تملك القدرة على تحقيق هذا التوازن بين التراث والحداثة دون الآخر، الذي يتجسد في صورة الحداثة الغربية، ويظهر للأنا بشكل يتوافق مع مصالحها وقيمها، منوها إلى أن هذه الثنائية بين القطيعة والحوار، وبين التحديث والتوفيق، تشكل تحديًا كبيرًا في الفكر العربي المعاصر، الذي يسعى إلى بناء مشروع حضاري يتسم بالهوية والحداثة في آن واحد.
ورأى توفيق أنه لا يوجد قطيعة حقيقية أو نفي متبادل بين التراث والتحديث. بل يجب أن يكون هناك تواصل واتصال بينهما، ولكن وفق شروط ومعايير العقل النقدي والعقلانية الموضوعية.