يأتي مشروع قانون موازنة 2025 في وقت ما زالت تداعيات حرب الإبادة على غزة تتعمق محليًا وإقليميًا ودوليًا، وحالة عدم اليقين تسيطر على المشهد وتلقي بظلال قاتمة. لكن علينا أن نعترف بأن مؤشرات مشروع قانون موازنة 2025 تأتي أقرب إلى الفعلي المتحقق في عام 2024، بمعنى أنها لم تتجاهل حرب غزة ولا التحديات التي قد تستمر في العام المقبل وتشكل ضغطًا على الخزينة. فتوقعات النمو الحقيقي للعام المقبل بنسبة 2.5 % أقرب إلى المنطق وبعيدة عن التفاؤل المبالغ فيه، مصحوبة بتوقعات للتضخم تصل إلى 2.2 %، وهي قريبة من الواقع. مشروع قانون موازنة 2025 يفترض أن تزداد الإيرادات العامة بنسبة 9.4 %، وهي نسبة بالإمكان تحقيقها إذا ما تضافرت الجهود، خاصة أن هناك مؤشرات إيجابية تلوح في الأفق، من حيث تحقيق نمو حقيقي بنسبة 2.5 % وزيادة في الإيرادات الضريبية بمقدار 805 ملايين دينار نتيجة الاستمرار في توسيع قاعدة المشمولين في نظام الفوترة الوطني، وتمديد عمل لجنة التسويات الضريبية والجمركية، وتحصيل إيرادات نتيجة قرارات الحكومة السابقة برفع الضريبة الخاصة على السيارات الكهربائية والسجائر، إضافة إلى ذلك، يُتوقع نمو الإيرادات غير الضريبية بمقدار 76 مليون دينار، أو ما نسبته 3.3 %، كما هو مقدر في عام 2024. هذه الفرضيات بالإمكان تحقيقها، وهي في متناول اليد، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة للوصول إليها، حيث تحتاج من المعنيين التحوط والاستعداد التام لمواجهة أي مستجدات طارئة. أولى التحديات في تحقيق فرضيات مشروع قانون موازنة 2025 هي الحكومة ذاتها؛ فكثير من الوزراء ينقصهم الفهم الحقيقي لأبعاد الموازنة وتطوراتها وضرورة الالتزام بما تضمنته، فهي بالمحصلة قانون ملزم لكافة الجهات المعنية بتنفيذه، والخروج عنه يعني مخالفة القانون. لذلك، على السادة الوزراء أن يكونوا جميعهم على قدر المسؤولية، وأن يشاركوا وزير المالية تخوفاته وحرصه على إدارة المال العام وتحقيق هدف الاستقرار المالي المنشود، فهذه مسؤولية الجميع وليست مسؤولية وزير المالية وحده. التحدي الآخر هم السادة النواب الذين تشكل طلباتهم، في غالبيتها، مخالفات مالية جسيمة، سواء من خلال طلباتهم الخدمية لمناطقهم، أو حصولهم على منافع شخصية، فكل ذلك يؤدي إلى تكوين ضغوط على الميزانية وترتيب أعباء مالية جديدة غير مقدرة في الموازنة. من المفترض على السادة النواب الارتقاء بسلوكهم الرقابي على السلطة التنفيذية والنهوض بهذه المسؤوليات الوطنية نحو المشاركة الفعلية في تهذيب السلوك العام، والابتعاد عن المطالبات الشخصية والمناطقية، كما يجب أن يشاركوا في تحمل مسؤولية إدارة الدولة نحو الاستقرار، لأنه وحده بهذا السلوك يمكن إعادة الثقة بمجلس النواب من قبل المواطنين، والنظر إليهم نظرة إيجابية مسؤولة. ويجب أن تكون هناك رقابة فعلية من الجهات المعنية ذات العلاقة على سلوكيات النواب، مع معاقبة كل من تسوّل له نفسه التلاعب بالمال العام وخرق القوانين ومخالفة الإجراءات، فالجميع بأمس الحاجة لتعزيز مفهوم سيادة القانون فعلاً وقولاً. التحدي الأخير الذي قد يشكل عقبة أمام الحكومة للوصول إلى فرضيات مشروع قانون موازنة 2025 هو حرب الإبادة على غزة التي لا أحد يعرف متى ستنتهي وإلى أي شكل ستفضي، فاستمرارها بهذا الشكل أو على نحو مغاير سيولد ضغوطًا كبيرة على الخزينة والقطاعات الاقتصادية، وسيزيد من النفقات العامة، مما يسبب مزيدًا من العجز والمديونية. التحديات السابقة تتطلب من المعنيين التحوط وأخذ زمام المبادرة في تأمين مخصصات مالية إضافية لتدارك أي مستجدات مالية طارئة، وقد يكون هذا بمزيد من المنح الخارجية أ