عمان- تحرص المخرجة سهاد الزعبي على أن تكون أعمالها الإخراجية مرآة صادقة تعكس أحلام الصغار وطموحاتهم. تقدم عروضا مليئة بالدهشة والإلهام، مستمدة من عالم الطفل نفسه، بعيدا عن الرؤى المفروضة من منظور الكبار، فهي تؤمن بأن المسرح الموجه للأطفال يجب أن ينبع من عوالمهم الخاصة، ليكون عميقا ومؤثرا وصادقا.
حازت الزعبي، التي تمتلك رصيدا مميزا من الجوائز في مهرجانات مسرح الطفل، آخرها جائزة أفضل عرض متكامل عن مسرحية الرداء العجيب وجائزة أفضل مخرج للمسرحية نفسها في مهرجان مسرح الطفل العربي، على اعتراف واسع بدورها البارز في هذا المجال. لكنها ترى أن تقديم عروض مسرحية للأطفال هو مسؤولية كبيرة تتطلب إبداعا وفنا يليق ببراءتهم، يخاطب عقولهم، ويزرع فيهم حب الحياة وحب الآخر.
توضح الزعبي أن المسرح بالنسبة للأطفال يتجاوز كونه مساحة ترفيهية، ليصبح جسرا يربط الطفل بعالمه الداخلي والخارجي، ويعمق لديه الإحساس بالإنسانية المشتركة. في كلماتها تقول: "اخترت مسرح الطفل لأنني أؤمن بأن كل ضحكة طفل هي لبنة في بناء عالم أجمل. أؤمن أيضا بأن الفن ليس ترفا، بل ضرورة لصناعة الإنسان. لهذا، سأظل أكتب، وأخرج، وأحلم، لأنني أعلم أن كل عرض مسرحي هو خطوة صغيرة نحو غد أفضل".
بنظرة تفاؤلية، ترى المخرجة سهاد الزعبي في عيون الأطفال دليل نجاحها. عندما تشاهد طفلا يضحك بفرح غامر، يستمع بتركيز عميق، أو يصفق بحماس في نهاية عرض مسرحي، تدرك أنها وصلت برسالتها، فهي تؤمن أن مسرح الطفل ليس فنا عابرا أو نشاطا عاديا، بل استثمار حقيقي في المستقبل. إنه الضوء الذي ينير دروب الصغار ويمنحهم القوة ليحلموا ويحققوا ما يريدون أن يصبحوا.
تصف الزعبي المسرح "تلتقي فيه الفكرة بالفن والخيال". إنه بالنسبة لها ليس مجرد منصة للعروض، بل حديقة للأحلام تنبت فيها القيم في قلوب الأطفال، كما تنبت الورود في تربة خصبة. ومن هذا المنطلق، ترى أن الحديث عن مسرح الطفل لا يقتصر على الترفيه أو المتعة فحسب، بل هو فلسفة حياة وأداة تربوية خلاقة. إنه مساحة لبناء جيل يحمل في داخله وعيا بالمستقبل وروح الابتكار، ليكون قادرا على إحداث الفرق في عالمه.
وتقول الزعبي، في حديثها لـ"الغد": "في عالم يعج بالتحديات والتغيرات السريعة، يحتاج الأطفال إلى ملاذ يمكنهم من فهم هذا العالم والتفاعل معه بطرق إبداعية وإنسانية، من هنا يأتي مسرح الطفل كوسيط يتيح للصغار استكشاف أنفسهم، واكتشاف القيم الإنسانية مثل الحب، والتسامح، والمثابرة، والتفكير النقدي".
وتؤكد أن مسرح الطفل، في جوهره ومضمونه رسالة نوجهها إلى العقل والروح، لأنه مساحة نكسر فيها القوالب الجاهزة ونبني مكاناً يتيح للطفل أن يكون نفسه، بكل ما تحمله من خيال وفضول. من خلال المسرح، لا نعطي الأطفال أجوبة جاهزة، بل نعلمهم كيف يسألون.
وحول اختيارها العمل في مسرح الطفل، كانت إجابتها أن الطفل لا يعرف الكذب، والطفل هو الجمهور الأكثر صدقاً والأكثر نقاءً، في عينيه ترى انبهاراً فهو لا يجامل ولا يساير، وإنما يمنحك شعوراً حقيقياً بالتواصل العميق إذا لامس عملك قلبه.
وتعتبر أن الإخراج لمسرح الطفل تحد ممتع يتطلب من المخرج التمتع بالذكاء والحساسية، وأن يضع نفسه في مكان الصغير، أن يفكر كما يفكر، وأن يرى العالم كما يراه الطفل ببراءته ودهشته، وأن يمزج المخرج بين البساطة والعمق، وبين المرح والفكرة، لإيجاد عمل يعيش في ذاكرة الطفل ويؤثر في شخصيته.
وتعاود الزعبي التأكيد أن مسرح الطفل ليس مجرد أداة للترفيه، بل هو وسيلة لبناء الإنسان، لأن الفن هو الذي يزرع بذور التغيير في القلوب الصغيرة، وينقل لها قيم الجمال والإبداع والتعاون، والفلسفة